بدأت الفتوحات الإسلامية تتسع في عهد عمر بن الخطاب، وظلت موجة المد الإسلامي في المشرق والمغرب، تشق طريقها من بعده وكان لا بد للعرب والمسلمين الفاتحين أن يؤهلوا أنفسهم لحكم البلاد التي فتحوها بالعلم والمعرفة، ولا بد للدين دخلوا في الإسلام من غير العرب أن يتعلموا العربية لدينهم ولدنياهم، فاستتبع الفتح الإسلامي حركة علمية في البلاد المفتوحة، وقد ذكرنا من قبل تفاوت الصحابة في درجاتهم العلمية، وأن عددا منهم ليس بالقليل، كانت له مكانه علمية مرموقة، وقد عدت بضعة من الصحابة هم الطبقة الأولى في العلم، وعد عشرون من الطبقة الثانية، وعد نحو مائة وعشرين من الطبقة الثالثة، وهؤلاء وأولئك تفرقوا في أنحاء الدولة الإسلامية بعد الفتح، ووزعوا على الأمصار أحيانا قصدا إلى تعليمهم؛ فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم إلى اليمن، وإلى البحرين، وكان عمر بن الخطاب يميل إلى استبقاء كبار فقهاء الصحابة بالمدينة، للاستعانة بهم في الفتيا عند عرض المشكلات، والحيلولة بينهم وبين الاشتغال بالحياة الدنيا ومظاهر الحكم، ولكنه مع ذلك أرسل بعض الصحابة معلمين في الأمصار، بعد أن اتسعت الفتوحات.
عن سالم بن عبد الله قال: كنا مع ابن عمر يوم مات زيد بن ثابت؛ فقلت: مات عالم الناس اليوم، فقال ابن عمر: يرحمه الله اليوم؛ فقد كان عالم الناس وحبرهم فرقهم عمر في البلدان.
وعن عمر بن الخطاب أنه قال حين خرج معاذ بن جبل إلى الشام: لقد أخل خروجه بالمدينة وأهلها في الفقه وما كان يفتيهم به، ولقد كنت كلمت أبا بكر رحمه الله أن يحبسه لحاجة الناس إليه، فأبى على وقال: رجل أراد جهادا.