أهل العراق لا يرضون علمنا؛ فقال له أبو جعفر: يضرب عليه عامتهم بالسيف، ويقطع عليه ظهورهم بالسياط.
ولعل أبا جعفر رغب في توحيد الأقضية بكل الأمصار، فطلب من مالك ذلك، في الوقت الذي توافرت فيه الدواعي عند مالك نفسه لتدوين العلم تحقيقا لقصد طلابه في جمع علم المدينة بصورة أكمل، فجاء طلب الخليفة متفقا مع تلك الدواعي.
أخذ مالك وقتا طويلا في تدوين الموطأ، ولم يتم التدوين في الرواية المشهورة إلا في سنة ١٥٩هـ بعد أن توفي المنصور، وكان رأي المهدي كرأي أبيه، ثم كان رأي الرشيد كذلك، أن تنشر نسخ الموطأ في جميع الأمصار ليسير القضاء عليه في الأحكام. ولكن مالكا كان يمانع في ذلك لتفرق العلماء في الأمصار، ولدى كل واحد علم كما ذكرنا.
والموطأ كتاب حديث وسنة وفقه، ومنهج مالك في تدوينه أن يذكر الأحاديث في الموضوع الفقهي الذي اجتهد فيه، ثم يذكر عمل أهل المدينة المجمع عليه، ثم يذكر رأي من التقى بهم من التابعين وأهل الفقه، ثم يذكر الرأي المشهور بالمدينة، فإن لم يكن شيء من ذلك بين يديه في المسألة، اجتهد رأيه على ضوء ما يعلم من الأحاديث والفتاوى والأقضية. والذي يتصفح الموطأ يجد هذا النهج واضحا فيه.
وقد روى الموطأ عدد كبير، والمتداول الآن روايتان، إحداهما رواية محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، والثانية رواية يحيى بن يحيى الليثي البربري الأندلسي المتوفى سنة ٢٣٤هـ وهو من تلاميذ مالك، رحل إليه من الأندلس، ثم عاد إليها ونشر مذهب مالك هناك.
ورواية محمد بن الحسن طبعت في الهند، وهي أقل في أبوابها وأحاديثها من رواية يحيى. ورواية يحيى أكثر تداولا في مصر وبلاد المغرب.