فلما كانت غزوة "أرمينية" وغزوة "أذربيجان" من أهل العراق، كان فيمن غزاها "حذيفة بن اليمان" فرأى اختلافا كثيرا في وجوه القراء، مع إلف كل لقراءته، ووقوفه عندها، ومما رأه من المخالفة حينئذ فزع إلى عثمان رضي الله عنه، وأخبره بما رأي، وكان عثمان قد نمى إليه أن شيئا من ذلك الخلاف يحدث ممن يقرئون الصبية، فينشأ هؤلاء وبينهم من الاختلاف ما بينهم، فأكبر الصحابة هذا الأمر مخالفة أن ينجم منه التحريف والتبديل، وأجمعوا أمرهم أن ينسخوا الصحف الأولى التي كانت عند أبي بكر، ويجمعوا الناس عليها بالقراءات الثابتة، فأرسل عثمان إلى حفصة، فأرسلت إليه بتلك الصحف، ثم أرسل إلى زيد بن ثابت الأنصاري، وإلى عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن ابن الحارث بن هشام القرشين، فأمرهم أن ينسخوها في المصاحف، وأن يكتب ما اختلف فيه زيد مع رهط القرشيين الثلاثة بلسان قريش فإنه نزل بلسانهم.
كتبت المصاحف على القراءات المتواترة، ورد عثمان الصحف إلى حفصة، وبعث إلى كل أفق بمصحف من المصاحف، واحتبس بالمدينة واحدا هو مصحفه الذي يسمى "الإمام" حيث جاء في بعض الروايات:
"يا أصحاب محمد، اجتمعوا فاكتبوا للناس إماما".
وأمر أن يحرق ما عدا ذلك من صحيفة أو صحف.
وبهذا قطع عثمان دابر الفتنة، وحسم مادة الاختلاف، وحصن القرآن من أن يتطرق إليه شيء من الزيادة والتحريف على مر العصور وتعاقب الأزمان، وكانت هذه المصاحف سبعة عدد الآفاق التي أرسل إليها: مكة، والشام، والبصرة، والكوفة، واليمن والبحرين، والمدينة.
ويمتاز مصحف عثمان بالترتيب المعروف في السور اليوم، وهذا الجمع هو المسمى بالجمع الثالث، وكان سنة ٢٥ هجرية.