فأعطاه الراية، قال عمر: ما أحببت الإمارة إلا ذلك اليوم. ولما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية لعلي أسرع، فجعلوا يقولون له: أرفق، حتى انتهى إلى الحصن، فاجتذب بابه، فألقاه على الأرض، ثم اجتمع عليه سبعون رجلا حتى أعادوه. ولبس ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة، وقد قصد المشركون قتل رسول الله وأحاطوا ببيته؛ فلما أصبحوا رأوا عليا، وذلك منتهى ما تكون عليه رباطة الجأش، والتضحية في سبيل الله وافتداء نبيه.
وكان على أحد رجال الشورى الذين نص عليهم عمر في الخلافة فعرضها عليه عبد الرحمن بن عوف وشرط عليه شروطا امتنع من بعضها؛ فعدل عنه إلى عثمان فقبلها، فولاه وسلم على وبايع عثمان، فلما قتل عثمان بايعه الناس، ثم كان من قيام جماعة من الصحابة: طلحة، والزبير، وعائشة في طلب دم عثمان، وكانت موقعة الجمل، ثم موقعة صفين، حيث قام معاوية في أهل الشام يطالب بدم عثمان، وكان رأي على أنهم يدخلون في الطاعة، ثم يقوم ولي دم عثمان فيدعى به عنده، ثم يعمل معه ما يوجبه حكم الشريعة المطهرة، وكان من خالفه يقول له: تتبعهم واقتلهم؛ فيرى أن القصاص بغير دعوى ولا إقامة بينة لا يتجه، وكل من الفريقين مجتهد، بينما اعتزل ذلك كله فريق من الصحابة ولم يدخلوا في شيء من القتال.
وبرز علي بن أبي طالب في العلم والفقه، وتصدى للفتيا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكان عمر يتعود من معضلة ليس لها أبو الحسن، وكان ابن عباس يقول: إذا جاءنا الثبت عن علي لم نعدل به، وكان على يقول: سلوني، سلوني عن كتاب الله تعالى؛ فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أنزلت بليل أو نهار.
وقد انتشرت أحكام على وفتاواه، ولكن الشيعة أفسدوا كثيرا من علمه بالكذب عليه؛ ولذلك فإن أصحاب الحديث من أهل الصحيح لا يعتمدون من حديثه وفسواه إلا ما كان من طريق أهل بيته، وأصحاب عبد الله بن مسعود كعبيدة السلماني، وشريح، وأبي وائل ونحوهم، وكان رضي الله عنه يشكو عدم