للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"إذا علم أنه كان يجاور في غار حراء في شهر رمضان، وأن ابتداء الوحي جاءه وهو في الغار المذكور اقتضى ذلك أن نبيء في شهر رمضان".

ثم كان نزول سورة المدثر بعد فترة الوحي، وفي الصحيحين عن أبي سلمة عن جابر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي، قال في حديثه: $"بينما أنا أمشي سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فدثروني، فأنزل الله تعالى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} ١". والمراد بزملوني: دثروني، وإلا يقتضي ذلك نزول {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّل} حينئذ؛ لأن نزولها تأخر عن نزول {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر} بالاتفاق؛ لأن أول المدثر الأمر بالإنذار، وذلك في أول البعثة، أما أول المزمل فهو الأمر بقيام الليل وترتيل القرآن.

وقد جاء في القرآن الكريم ثلاث آيات بينات تتعلق بنزول القرآن:

الأولى في سورة البقرة: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن} ٢.

والثانية في سورة الدخان: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَة} ٣.

والثالثة في سورة القدر: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر} ٤.

ولا يجد الإنسان تعارضا بين هذه الآيات، فالليلة المباركة هي ليلة القدر من شهر رمضان، وإنما يلتبس عليه التوفيق بين هذه الآيات والواقع التاريخي في نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم منجما في أكثر من عشرين عاما فكيف تجتمع هذه الأعوام في شهر بل في ليلة؟!! وللعلماء في هذا التوفيق مذهبان٥:


١ المدثر: ١، ٥.
٢ البقرة: ١٨٥.
٣ الدخان: ٣
٤ القدر: ١.
٥ من العلماء من ذهب إلى أن القرآن نزل أولا جملة إلى اللوح المحفوظ، ثم نزل من اللوح المحفوظ جملة كذلك إلى بيت العزة، ثم نزل مفرقا، فهذه تنزلات ثلاثة، ومنهم من يرى أن القرآن نزل إلى السماء الدنيا في ثلاث وعشرين ليلة قدر من ثلاث وعشرين سنة، ينزل في كل ليلة قدر ما يقدر الله سبحانه إنزاله في كل سنة وقد اقتصرنا على المذهبين المشهورين.

<<  <   >  >>