بيد أن الصحابة كانوا متفاوتين في التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة وكثرة؛ فمن المقلين: الزبير وزيد بن أرقم، وعمران بن حصين، ولعل ذلك كان لحذرهم من الوقوع في الكذب من غير قصد، ولذلك روى أن أنس بن مالك كان يتبع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"أو كما قال".
ومن المكثرين: أبو هريرة، وعائشة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجابر وأنس بن مالك.
فلأبي هريرة كما يذكر بعض الباحثين "٥٣٧٤" حديثا. ولعائشة "٢٢١٠". ولعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك ما يقرب من مسند عائشة، ولكل من جابر ابن عبد الله، وعبد الله بن عباس أزيد من "١٥٠٠" ونرى بعض الصحابة لم يرد عنه إلا القليل النادر، ومما ساعد هؤلاء المكثرين في الحديث طوال حياتهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم وطول صحبتهم وكثرة من أخذ عنهم.
وقد اجتهد صغار الصحابة بجمع الحديث من كبارهم، ورحلوا في طلبه.
أخرج البخاري في الأدب المفرد، وأحمد والطبرانين والبيهقي واللفظ له عن جابر بن عبد الله قال: بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أسمعه منه، فابتعت بعيرا فشددت عليه رحلي، ثم سرت إليه شهرا حتى قدمت الشام؛ فإذا هو عبد الله بن أنيس الأنصاري، فأتيته فقلت له: حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المظالم لم أسمعه، فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه؛ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الناس غرلا بهما" قلنا: وما البهم؟ قال: ليس معهم شيء، فيناديهم نداء يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وأحد من أهل الجنة عنده مظلمة حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة. وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة حتى أقصها منه، حتى اللطمة، قلنا: كيف؟ وإنما نأتي الله غرلا بهما؟ قال:"بالحسنات والسيئات".