وكان أحسن من عزاه إبراهيم بن محمد بن طلحة، فقال له:
"والله ما بك حاجة إلى المشي، ولا أرب في السعين وقد تقدمك عضو من أعضائك وابن من أبنائك إلى الجنة، والكل تبع للبعض إن شاء الله تعالى، وقد أبقى الله لنا منك ما كنا إليه فقراء، وعنه غير أغنياء، من علمك ورأيك، نفعك الله وإيانا به، والله ولي ثوابك، والضمين بحسابك".
وكان يقرأ القرآن كل يوم نظرا في المصحف، ويقول به الليل، ولما دعي الجزار لقطع رجله، قال له: نسقيك الخمر حتى لا تجد لها ألما، فقال: لا أستعين بحرام الله على ما أرجو من عافيته، قالوا: فنسقيك المرقد١، قال: ما أحب أن أسلب عضوا من أعضائي وأنا لا أجد ألم ذلك فأحتسبه ودخل عليه قوم أنكرهم، فقال: من هؤلاء؟ قالوا: يمسكونك فإن الألم ربما عزب معه الصبر، قال: أرجو أن أكفيكم ذلك من نفسي. ولما بلغ السكين العظم وضع عليها المنشار فقطعت وهو يهلل ويكبر، وحسمت بالزيت، ثم أخذ ما قطع من رجله في يده وقلبه وقال:"أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أني ما مشيت به إلى حرام، أو قال "معصيته".
ولما قدم المدينة قال: "اللهم إنه كان لي أطراف أربعة، فأخذت واحدا وبقيت لي ثلاثة، فلك الحمد، وايم الله لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت لطالما عافيت".
ولما قتل أخوه عبد الله، قدم عروة على عبد الملك بن مروان، فقال له يوما: أريد أن تعطيني سيف أخي عبد الله؛ فقال له: هو بين السيوف، ولا أميزه من بينها، فقال عروة: إذا أحضرت السيوف ميزته أنا، فأمر عبد الملك بإحضارها؛ فلما حضرت أخذ منها سيفا مفلل الحد، فقال: هذا سيف أخي، فقال عبد الملك: