واعتبر بعض الباحثين القول بالمصلحة من خصوصيات مذهب مالك، وذكر الشاطبي في الاعتصام" أن مالكا يذهب إلى اعتبارها ويكثر من بناء الأحكام عليها. ومن أمثلة عمل مالك بالمصالح المرسلة، ما قاله في الزعفران المغشوش إذا وجد بيد الذي غشه، حيث قال: إنه يتصدق به على المساكين قل أو كثرة، ويقول الشاطبي، إنه يماثل إراقة عمر للبن المغشوش بالماء، ووجه ذلك التأديب للغاش، وهذا التأديب لا نص يشهد له؛ لكن من باب الحكم على الخاصة لأجل العامة.
ومن ذلك إجازة بيعة المفضول مع وجود الأفضل إذا خيف اضطراب أمور الناس، وعدم إقامة مصالحهم إذا لم يبايعس المفضول عندئذ.
٦- القياس:
حيث لا يوجد نص من كتاب أو سنة، أو قول صحابي، أو إجماع من أهل المدينة؛ فإن مالكا كان يجتهد، ويستعمل القياس في اجتهاده، فقد جاء في "الموطأ": سئل مالك عن الحائض تطهر فلا تجد ماء هل تتيمم؟ قال: نعم، لتتيمم، فإن مثلها مثل الجنب إذا لم يجد ماء تيمم". فمالك هنا يقيس الحائض حين تطهر على الجنب في التيمم عند فقد الماء الذي ثبت بالنص القرآني في قوله تعالى:{أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} ١، ولهذه المسألة نظائر في القياس عند مالك.
٧- سد الذرائع:
الذرائع، جمع ذريعة وعرفها القرافي في "الفروق" بأنها: هي الوسيلة إلى الشيء، وعرفها الشاطبي في "الموافقات" بأنها: التذرع بفعل جائز إلى عمل غير جائز، وعامة ما ورد في معناها يؤول إلى: ما كان ظاهره الإباحة، ويتوصل به إلى فعل محظور، والمراد بسد الذريعة، الحيلولة دونها، والمنع فيها، لأن ما يؤدي إلى المفسدة -وإن كان مباحا- يكون مفسدة، فيجب الامتناع عنه، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.