يكون هذا إلا بإعادة النظر في الفقه وتطوراته، وبناء الأسس الجديدة على ما كان عليه الإسلام في عهده الأول، وعهد نهضة المسلمين الفقهية، وأيام الاجتهاد.
حاجة الجماعة إلى نظام يحكم سلوكها:
تحتاج أي جماعة من الجماعات إلى روابط تقوم عليها تجمعها، ومبادئ تحدد علاقاتها، وتحفظ حقوق أفرادها؛ لئلا يكون أمرها فوضى، فقد جبل الإنسان على الأثرة، وحب الذات، وانطوت نفسه على كثير من الغرائز التي تحتاج إلى تقويم وتهذيب، حتى لا يطغى الإنسان على أخيه الإنسان.
ولن يستطيع المرء أن يعيش وحده في معزل عن الناس؛ فإن حياته مرتبطة بحياة غيره، يتعاون معه، ويتبادل المنفعة الاجتماعية والمصالح المشتركة، وهذا معنى قولهم:"الإنسان مدني بالطبع".
وقد أوضح ابن خلدون هذه الحقيقة بقوله:"إن الاجتماع الإنساني ضروري"، ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم:"الإنسان مدني بالطبع"، أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية في اصطلاحهم وهو العمران ... وإن الواحد من البشر غير مستقل بتحصيل حاجاته في معاشه ... وإن البشر لا يمكن حياتهم ووجودهم إلا باجتماعهم، وتعاونهم على تحصيل قوتهم، وضروراتهم. وإذا اجتمعوا دعت الضرورة إلى المعاملة واقتضاء الحاجات، ومد كل واحد منهم يده إلى حاجته يأخذها من صاحبه؛ لما في الطبيعة الحيوانية من الظلم والعدوان بعضهم على بعض، ويمانعه الآخر عنها ... فيقع التنازع المفضي إلى المقاتلة، فاستحال بقاؤهم فوضى دون حاكم يزع بعضهم عن بعض".
وقد اقترنت الحياة البشرية منذ نواتها الأولى في آدم عليه السلام بما أوحى الله به إلى رسله حتى تسلم عقيدتهم، وتستقيم حياتهم على جادة الحق؛ إذ لا بد للإنسان من ضوابط تقيم هذه العلائق على العدل والمساواة، وقد نشأت المجتمعات البدائية الأولى في الأسرة والقبلية على قواعد ومبادئ أملتها عليها ظروف البيئة وما جرى عليه العرف والعادة.