بعض أولئك الحاضرين وقد سألوا عنه فاخبروا به فاقبلوا إليه مسلمين عليه وراغبين منه في مبيته عندهم، فبات معهم وانصرف من الغد إلى السفينة وبه شكاة، وسئل عن غذائه عند أولئك الذين أضافوا فقال: ما كان إلا يسير تمر وعسل.
وأقلع من منية ابن خصيب إلى مصر، وقطع تلك المسافة في سبعة أيام، والشكاة متزيدة؛ ولما ورد مصر أراد دخولها في خفية حتى لا يشعر به أحد، فدخلها وقت العشاء ونزل منها بخان الملاحين، ويعرف بخان ابن الرصاص، ولم يعلم أحد [٢١٣ ظ] بوصوله، فأقام به ليلته تلك ويومها، وتوفي في ثلث الليلة القابلة، وهون الله عليه الموت ويسره تيسيراً عجيباً؛ ولما اصبح ميتاً أقبل جماعة من الصلحاء والزهاد في طائفة كبيرة من لفيف الناس، مغلسين يقرعون باب الخان، ويقولون لقيمه: افتح لنا نصل على الفقيه أبي مروان الباجي المتوفي الليلة هنا؛ وكان ممن حضر ذلك الجمع رجل صالح فاضل من أهل العلم والدين يدعى بعز القضاة ويعرف بابن الجباب، من بيت جلالة وعلم بمصر، فتوجه مع حفيد أخي مروان وبعض خواصه إلى العادل ابن الملك الكامل الذي استنابه أبوه على مصر، فوافوه بقصره من القلعة بالجبل المقطم المطل على القاهرة ومصر، فاعلمه بوصول الفقيه أبي مروان فسر به وسأل عنه فقيل: وصل بارحة أمس وتوفي الليلة، فتأسف لذلك، وأمر بتجهيزه فقال له حفيد أخيه وأصحابه: عنده جهازه، فشرع في غسله وتكفينه، وألقي في النعش ورمي عليه كساء أخضر، ولف بشريطتي غم طويلتين