للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سخيف (١) العقل مذوماً مهلكاً لنفسه، بل أسوأ حالة من المجانين والحيوان الدارج (٢) غير الناطق. ولا مخلص في المعاد إلا بالحبث عن شريعة الحق و [إيثار] (٣) تعلمها على كل علم. و [الآجلة] . فالواجب عليه إجهاد نفسه وترك كل حال شاغلة له عن البحث عن صحة الأمر، عن أن المعاد حق أو شيء غيره حق. وإذا اشتغل عن شيء غيره فهو بلا شك فاسد التمييز، خاسر الصفقة مغرر بنفسه عن الأمر الذي فيه عظيم البلاء عليه أو كثير السعادة له، ولا يصل إلى علم ذلك إلا بالبحث عن الشرائع وطلب البرهان فيها حتى يقع على حقيقة الأمر في ذلك.

وإن كان غير معتقد لصحة المعاد، ولم يكن عند شيء غير هذه الدار، فلا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما: إما أن لا يكون يرى إمراج النفس (٤) في الشهوات، وإهمالها في اللذات وإطلاقها على اتباع الهوى فإن كان هذا هكذا فليس أولى بذلك فيه (٥) من غيره؛ وهذا رأي يقتضي له أن لا يتظلم ممن تلف بقتله وأخذ ماله أو هتك ستره وتسخيره (٦) فيما يلذ به غيره وإشقائه فيما ينعم به سواه، ولا أخسر صفقة ممن يرى أن لا دار له سوى هذه ثم لا يكون حظه منها إلا الشقاء والتعب والهلكة أو يكون ممن يقو بالسياسة التي جماعها الأمن له من غيره، ولغيره منه، على دمه (٧) وحرمته وبشرته وماله وشمول العافية (٨) وصلاح الحال والكفاية. وهذا لا يصح ألبتة ولا يوجد إلا باستعمال الشريعة الداعية بالوعيد بالآخرة والعقاب في الدنيا لأجل معصيته، فإذ لا سبيل إلى ذلك إلا بالشريعة فالاشتغال بها هو الغرض، والاشتغال عنها رأي فاسد.


(١) ص: بتخفيف.
(٢) ص: الدارج.
(٣) ما بين معقفين في هذه العبارة التي كتبت بهامش النسخة، مطموس.
(٤) ص: إمراح، وإمراج النفس إطلاقها على سجيتها، وتركها ترعى حيث شاءت.
(٥) ص: في غيره.
(٦) ص: وتسخير.
(٧) ص: ذمته.
(٨) ص: العاقبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>