للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به عن غيره من العلوم؛ أو فاقة (١) علمه ذلك إلى غيره من العلوم، وأنه إن لم يضف غيره من العلوم على علمه كان ناقصاً لا ينتفع به كبير منفعة بل لعله يستضر به (٢) جداً:

فمن ذلك أنا وجدنا قوماً منأهل طلب العلم، أعني الديانة، يزورن بسائر العلوم، وهذا نقص عظيم شديد لا ينتفع به صاحبه في قسمة الفرائض والمواريث وأن يعرف من المطالع ما يعرف به أوقات الصلوات ودخول شهر رمضان شهر الصوم ووقت الحج، وإن لم يعرف مضار المأكل والمشرب أوشك أن يتناول ما يؤذيه ويضر به، وذلك محرم وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتداوي فاتباع أمره فرض. فتعلم الطب فرض على الكفاية، ومضيعه مضيع فرض. والقرآن عربي فلا سبيل إلى أن يعلمه من لم يعلم العربية، ولا سيما إن كان المذكور لم تناول من الشريعة إلا علماً واحداً من علومها، فهذا إنسان ناقص مسيء إلى نفسه مهلك لها، لأنه إن تناول علم القرآن ولم تناول علم السنن كانت يده من الدين صفراً، وكان علمه عليه لا له. ومن أحسن علم السنن ولم يحسن علم القرآن لم يعلم ما يجوز به القراءة مما لا يجوز، وما أنزل الله تعالى مما لم ينزل. وإن تعلق بالفتيا دون علم بالقرآن والسنن فهو والحمار سواء ولا يحل له أن يفتي لأنه لا يدري أحق أم باطل، وإنما يفتي مقلداً لمن لا يدري هل أصاب أو أخطأ ولا يعرف ما هو عليه أهو من الدين أم من غير الدين إلا ظناً. وإن تعلق بالكلام دون أن يعرف السنن كان هالكاً، لمغيبه عن حقيقة الشريعة التي كلفه الله تعالى إياها، وألزمه أداءها (٣) .

ووجدنا قوماً طلبوا علوم العرب فازدروا على سائر العلوم كالنحو واللغة والشعر والعروض، فكان هؤلاء بمنزلة من ليس في يده من الطعام إلا الملح وليس معه من السلاح إلا المصقلة التي بها يجلى السلاح فقط، وكان [الواحد منهم] غائباً عن علم الشريعة التي لا معنى لخروجنا إلى هذا العالم غيرها، ولا خلاص لنا ولا سلامة


(١) ص: بانه.
(٢) ص: يستصريه.
(٣) ص: والتزمه إياها.

<<  <  ج: ص:  >  >>