للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند خروجنا من الدنيا إلا بها، وكان بمعزل عن علم الحقائق.

ووجدنا قوماً طلبوا علوم الأوائل أو علماً منها، واتخذوا سائر العلوم سخرياً مثل من تعلق بالطب فلم ير علماً غيره؛ فيقال له إنك لا تشك أنه قد يكون فمن لا يتعاني ولا يحسن الطب أحسن أجساماً وأطول أعماراً من المتعنين، كأهل البادية (١) والعامة والبلاد التي لا يحسن أهلها الطب، هذا أمر لا ينكره منكر، فأن هذا عيان مشاهد، فما فائدة الطب إذن ولا غرض لأهله إلا تصحيح الأجسام ودفع الأمراض المخوف منها الموت (٢) ولم يحصلوا من هذا الغرض إلا على أقل مما حصل عليه غيرهم. ومثل قوم من أهل الهندسة وعلم الهيئة ما عدا ذلك من العلوم إلا هذراً ولغواً فيقال لهم: ما الفرق بين معرفة قطع كوكب كذا وكوكب كذا وصفة برج كذا وبرج كذا وبرج كذا من الأرض وبين صفة مدينة كذا، وحركات ملك فلانة، أو حركات فلان وفلان وهذا لا سبيل لهم إلى المخلص منه لأن كل ذلك خبر عن بعض ما في العالم فقط لا يفيد فائدة إلا المعرفة بما عرف من كل ذلك بأنه على هيئته والاستدلال بكل ذلك على الصانع المدبر سواء. فإن صار إلى علم القضاء لم يحصل إلا على دعاوى كاذبة وخرافات لا تصح، بل البرهان قائم على بطلان هذه الدعاوي، بما قد أحكمناه في غير هذا الموضع، ومن ذلك أنهم لا يدعون على ذلك دليلاً أصلاً إلا تجارب يذكرونها وهذا باطل لأن تلك التجارب لا يمكن إثباتها ألبتة لأنها لا تكون إلا في مدد طوال، ولا سبيل إلى بقاء دولة ولا استمرار حالة على سلامة، مقدار تلك المدة أبداً، ونقول لهم: إن أصح ما بأيديكم، بإقراركم، المواليد والقرانات (٣) ونحن نجد الكبش يولد ويعيش ويذبح وهو يباشر أكله (٤) في دقيقة واحدة ثم يعمل من جلده أديم، فبعضه


(١) كرر ابن حزم هذه الفكرة عن أهل البادية وصحتهم وطول أعمارهم في رسالة " التوقيف على شارع النجاة "، وانظر كيف كانت هذه الفكرة مختمرة أيضاً عند ابن خلدون فقد وضحها كما وضح استقلال أهل البوادي بطبهم في المقدمة: ٣٦٤ وما بعدها.
(٢) في الأصل: للموت.
(٣) إذا ذكر القرآن إطلاقاً عني به اجتماع زحل والمشتري خاصة، فإذا قصد قرآن كوكبين آخرين قيد بذكرهما.
(٤) في الأصل: وهو ناشر كله.

<<  <  ج: ص:  >  >>