للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن من سلف من الحكماء، قبل زماننا، جمعوا كتباً رتبوا فيها فروق وقوع المسميات تحت الأسماء التي اتفقت جميع الأمم في معانيها، وإن اختلفت في أسمائها التي يقع بها التعبير عنها، إذ الطبيعة واحدة، والاختيار مختلف شتى، ورتبوا كيف يقوم بيان المعلومات من تراكيب هذه الأسماء، وما يصح من ذلك وما لا يصح، وتقفوا (١) هذه الأمور، فحدوا في ذلك حدوداً ورفعوا الأشكال، فنفع الله تعالى بها منفعة عظيمة، وقربت بعيداً، وسهلت صعباً، وذللت عزيزاً (٢) ، فمنها كتب أرسطاطاليس الثمانية في حدود المنطق. ونحن نقول قول من يرغب إلى خالقه الواحد الأول في تسديده وعصمته، ولا يجعل لنفسه حولاً ولا قوة إلا به، ولا يعلم إلا ما علمه: إن من البر الذي نأمل أن نعتبط به عند ربنا تعالى بيان تلك الكتب لعظيم فائدتها فإنا رأينا الناس فيها على ضروب أربعة: الثلاثة منها خطأ بشيع وجور شنيع، والرابع حق مهجور، وصواب مغمور، وعلم مظلوم؛ ونصر المظلوم فرض وأجر.

فأحد الضروب الأربعة قوم حكموا على تلك الكتب بأنها محتوية على الكفر للإلحاد، دون أن يقفوا على معانيها أو يطالعوها بالقراءة. هذا وهم يتلون قول الله عز وجل، وهم المقصودون (٣) به إذ يقول تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً} (الإسراء: ٣٦) وقوله تعالى: {ها أنتم هؤلاء حاجتهم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم} (آل عمران: ٦٦) وقوله تعالى: {قل هل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} (النمل: ٦٤) فرأينا من الأجر الجزيل العظيم في هذه الطائفة إزالة هذا الباطل من نفوسهم الجائرة الحاكمة قبل التثبيت، القائلة دون علم، القاطعة بغير برهان، [٤ و] ورفع المأثم الكبير عنهم بإيقاعهم هذا الظن الفاسد على قوم (٤) برآء ذوي ساحة سالمة وبشرة نقية وأديم أملس مما قرفوهم به. وقد قال رسول الله،


(١) س: وتقفوا.
(٢) م: وعراً؛ وفي س بعدها: إرادة الحقائق؛ ولا وجود لها في م.
(٣) م: المقصرون.
(٤) م: أقوام.

<<  <  ج: ص:  >  >>