للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعلم أنه لا موجود أصلاً ولا حقيقة البتة إلا الخالق وخلقه فقط، ولا سبيل إلى ثالث أصلاً. فالخالق واحد أول لم يزل. وأما الخلق فكثير. ثم نقول: أما الخلق فينقسم قسمين لا ثالث لهما أصلاً: شيء يقوم بنفسه ويحمل غيره، فاتفقنا على أن سميناه " جوهراً " (١) ؛ وشيء لا يقوم بنفسه ولا بد من أن يحمله غيره فاتفقنا على أن سميناه " عرضاً ". فالجوهر هو جرم الحجر والحائط والعود وكل جرم في العالم. والعرض هو طوله وعرضه ولونه وحركته وشكله وسائر صفاته التي هي محمولة في الجرم. فإنك ترى البلحة (٢) خضراء ثم تصير حمراء ثم تصير صفراء والحمرة غير الخضرة وغير الصفرة، والعين التي تتصرف عليها (٣) هذه الألوان واحدة تنتقل فتصير جسماً آخر. وكذلك ترى الذهب زبرة، ثم يصير سبيكة ثم يصير ديناراً منقوشاً والجسم في كل ذلك هو نفسه. وكذلك ترى الإنسان مضطجعاً ثم راكعاً ثم (٤) قائماً ثم قاعداً وهو في كل ذلك واحد لم يتبدل، وأعراضه متبدلة متغايرة، تذهب (٥) وتحدث. ولا بد لكل ما ذكرنا من قسمي الخلق من صفات محمولة فيه أو معنى يوجد له يمتاز بذلك مما سواه ويجب من أجله الفرق بين الأسماء.

وأما الخالق عز وجل، فليس حاملاً ولا محمولاً بوجه من الوجوه وقد أحكمنا هذا المعنى في مكان غير هذا، والحمد لله رب العالمين على توفيقه إيانا.

ثم نرجع فنقول: إن الصفات أو المعاني التي ذكرنا أنه لا بد لكل ما دون الخالق تعالى منها، فإنها تنقسم قسمين: إما دالة على طبيعة ما هي فيه مميزة له مما سواه، فاتفقنا على أن سميناها (٦) " حداً "؛ وإما مميزة له مما سواه وهي غير دالة على طبيعة، فاتفقنا على أن سميناها " رسماً ". ونقول: إن المحارجة (٧) في الأسماء لا معنى لهان وإنما


(١) إزاء كلمة " جوهر " وكلمة " عرض " في هامش س تعريف لهما. قال كاتبه: " وما في باطن الكتاب من كلام الشيخ على الجوهر والعرض قد خالف فيه كافة المحققين ".
(٢) كلمة البلحة كتبت فوق كلمة " النخلة " في س.
(٣) س: عليه.
(٤) ثم: سقطت من س.
(٥) قبل كلمة " تذهب " في س وقعت لفظة " فصفة ".
(٦) م: سمينا هذا.
(٧) س: المحارحة؛ م: المخارجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>