للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقسم الثاني هو ما تدركه النفس بالعقل والعلم وبتوسط الصوت مثل تأليف اللحون وتركيب النغم ومعاني الكلام المسموع وما أشبه ذلك، إذ إنما تأدى إلينا كل ذلك بحاسة السمع وتوسطها. وبهذا القسم صح لنا أن نقول سمعنا كلام الله عز وجل وسمعنا كلام النبي صلى الله عليه وسلم وسمعنا كلام فلان وفلان ممن لم نشاهده وقدم زمانه من السالفين من البلغاء والشعراء وكل من حكي لنا كلامه. ومن ذلك تمييزك بالكلام من هو المتكلم وما حاله: أسائل أم ملك أم مريض وما أشبه ذلك، وكمعرفتك بالصوت ما هو المصوت وأي الأشياء هو. وأما المحسوس بالشم فهي الأرائح (١) من الطيب والنتن وما بينهما من الوسائط كروائح بعض المعادن (٢) وما أشبه ذلك. والشم هو إدراك النفس بتوسط الشم من الأنف تغيراً يحدث في الهواء الذي بينهما وبين المشموم وانفعالاً من طبع المشموم وانحلال بعض أجزائه من رطوباته. وقد تدرك النفس أيضاً بتوسط العقل والشم معرفة مائية المشموم الرائحة كمعرفتنا المسك بتمييزنا رائحته، والنتن كذلك، وكذلك سائر المشمومات. وأما المحسوس بالذوق فهو الطعوم كالحلاوة والمرارة والتفاهة والزعوقة (٣) والملوحة والحموضة والحرافة والعفوصة؛ وهو إدراك النفس بملاقاة أعضاء الفم جسم المطعوم (٤) ، لا بتوسط شيء (٥) بينها وبينه إلا انحلال (٦) ما ينحل من المطعوم من رطوباته فيمازج رطوبة الحنك واللسان والشفتين واللهوات. وقد تدرك الأعضاء [٢٥ظ] المذكورة أيضاً بعض الطعوم (٧) بتوسط الهواء وانحلال بعض أجزاء الطعوم فيه كالحنظل المدقوق؛ وقد تدرك النفس أيضاً بتوسط الذوق والعقل معرفة مائبة المذوق كمعرفتنا بذوق العسل في الظلام أنه عسل وكذلك غير ذلك من المذوقات ومعرفتنا بأنه عسل غير معرفتنا بأنه حلو. أما معرفة أنه حلو فبالذوق مجرداً وأما معرفة أنه عسل فبتوسط العقل والذوق معاً. وكذلك القول (٨) في الأقسام المتقدمة


(١) م: الأراييح.
(٢) م: المعاذر.
(٣) س: والتفاهة والدعوق.
(٤) م: الطعوم.
(٥) شيء: سقطت من س.
(٦) س: إلا بانحلال؛ وسقطت " إلا " في م.
(٧) م: الطعوم.
(٨) القول: سقطت في م.

<<  <  ج: ص:  >  >>