للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مخالف لسائرها لا بد من ذلك.

وكذلك إذا صححت نفي جميع تلك الأقسام حاشا واحداً صح أن حكمه هو ذلك الواحد الذي بقي ضرورة، فإن صححت أن حكمه مخالف لبعض تلك الأقسام وبقي منها أكثر من واحد سقطت الأقسام التي صح أنه مخالف لها ولم يصح أن حكم الشيء الذي يتعرف [٥٨و] صحة حكمه في أحد ما بقي دون سائر ما بقي، ولا تبال أي الأقسام قدمت في اللفظ ولا أيها أخرت من (١) هذه الوجوه كلها.

ونحن نمثل الوجوه الثلاثة التي ذكرنا فنقول، وبالله تعالى نتأيد: إذا قلت هذا الطعم إما تفه وإما زعاق وإما حلو وإما مر وإما حامض وإما ملح وإما حريف وإما عفص، لكنه مر، فقد نفيت عنه جميع الطعوم الباقية كلها يقيناً بلا شك. وكذلك إذا قلت: هذا العدد إما مساو لهذا العدد، وإما أقل منه، وإما أكثر منه، لكنه أكثر منه، فقد نفيت القسمين الباقيين (٢) بلا شك وهو حينئذ لا مساو ولا أقل يقيناً. فإن أبطلت جميع الأقسام حاشا واحداً فقلت في المسألة الأولى: لكنه ليس تفهاً ولا زعاقاً ولا حلواً ولا مراً ولا حامضاً ولا ملحاً ولا حريفاً فقد صح بلا شك أنه عفص. وكذلك لو قلت في الثانية لكنه ليس أكثر منه ولا مساوياً له فقد صح أنه أقل منه يقيناً (٣) ، فإن أبطلت بعض الأقسام وسكت عن أكثر من واحد منها سقطت الأقسام التي صححت أنها مخالفة له فقط ولم يثبت له واحد بعينه من الذي نفيت وبقي الاستدلال والنظر واجباً فيها كقولك في المسألة الأولى لكنه ليس مراً ولا حلواً فقد سقطت عنه المرارة والحلاوة وبقي الطعم مشكوكاً فيه على باقي الأقسام، ثم كلما أسقطت قسماً بقي موقوفاً على الباقي حتى لا يبقى إلا واحد فيصح حينئذ أن ذلك الواحد هو حكمه، وهكذا في جميع المسائل؛ وإنما أخرجت لك الوجوه كلها من مسألة واحدة لترى نسبة الوجوه بعضها من بعض بأمكن وأسهل منها لو كانت من مسائل شتى. ولو أنك أثبت من الأقسام الكثيرة اثنين فصاعداً بحرف الشك مثل أن تقول: لكنه إما حلو وإما حامض وإما مر فقد أبطلت سائرها وبقي الحكم موقوفاً على الذي قصرتها عليه.


(١) س: في.
(٢) م: النافيين.
(٣) م: بيقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>