للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في المغالطة ويدفع شره.

أو يكون أحدهما موقنا كما قدمنا، والثاني لم يقف على بيان الحقيقة فهو يطلب الحقيقة والوقوف عليها. فإذا اتفق أن يكون المتناظران هكذا فتلك مناظرة فاضلة حميدة العاقبة يوشك أن تنجلي (١) عن خير مضمون وأجر (٢) موفور وهي التي أمر الله تعالى بها إذ يقول: {وجادلهم بالتي هي أحسن} (النحل:١٢٥) وإذ يقول تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} (النحل: ١٢٥) وإذ يقول تعالى: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} (البقرة: ١١١النمل: ٦٤) . ولم يذم قط هذه المناظرة إلا سخيف جاهل مذموم الطبع مفسد على الناس قد جعل هذا النفار ستارة دون جهله فلم يقنع بأن حرم نفسه الخير حتى سعى في أن يحرمه سواه. وأما إذا كان المتناظران معا غالطين أو مغالطين أو كان أحدهما جاهلا [٨٤و] طالبا والثاني غالطا أو مغالطا فتلك مناظرة يكثر فيها الشغب ويعظم النصب ويكثر الصخب ويشتد الغضب، ويوشك أن تشتد (٣) مضرتها، وأما المنفعة فلا منفعة؛ وربما كان الجاهل فيها مسارعا إلى قبول ما قرع سمعه دون برهان صحيح فيهلك باعتقاد الباطل وقبوله. وأما إن كان عالما موقنا فالمضمون له انتقاض البنية بالأسف والغيض إلا أنه محمود في نصرة الحق مأجور بذلك ولعله أن ينفع سامعا منه. وملاك ذلك أن لا ينطق بينهما ثالث بكلمة إلا أن يرى حيفا ظاهرا فيشهد به، وألا يقطع أحدهما كلام صاحبه حتى يتمه، وأن لا يطول المتكلم (٤) منهما بما لا فائدة فيه، وأن يفضيا (٥) إلى الاختصار الذي لا يقصر عن البيان الموعب. فإن أخطأ أحدهما ثم أراد الإقالة فذلك له، وواجب على الآخر أن يقيله لأن المرء ليس قوله جزءا منه، لكنه واجب عليه ترك الخطأ إذا عرف أنه خطأ، فالمانع من الإقالة ظالم مشغب جاهل. وكذلك إن رأى حجته فاسدة فأراد (٦) تركها وأخذ غيرها فذلك له، وهو محسن


(١) س: تخل.
(٢) س: أخر.
(٣) م: تعظم.
(٤) س: الكلام.
(٥) م: يقصد.
(٦) م: فإذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>