للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن التفريق بين القولين، وكما نلوم من ظهر إليه برهان فتمادى على الباطل ولم يرجع [٨٦ظ] إلى موجب البرهان، فكذلك نلوم من سارع إلى القبول لما سمع بلا برهان، وكما نحمد من رجع إلى موجب البرهان فكذلك نحمد من ثبت على موجبه ولم يرجع لاقناع سمعه أو سفسطة؛ وإن (١) عجز عن كسرهما، فحصل لنا من (٢) هذه المقدمات حمد من لم يعتقد إلا ما أوجبه البرهان فقط.

والتكثير من الأدلة قوة وليس يعده عجزا إلا جاهل منقطع. وحقق كل ما تسمعه من خصمك ولا تتغفله (٣) وأقله إن أخطأ ولا تدع مشكلا إلا وقفته عليه، فإذا استقر البيان سليما من النقص والإشكال فأجب حينئذ. وكما (٤) تطالب خصمك بذلك فالتزم له سواء سواء. وبين سؤالك سليماً من النقص والإشكال. وإياك وإدخال ما ليس من المناظرة فهذا من فعل أهل المجون (٥) أو من يريد أن يطيل الكلام حتى ينسي آخره أوله لينسى غلطه وسقطه. وتأمل مقدماته ومقدماتك وعكسك وعكسه (٦) ونتائجه فلا ترض لنفسك من خصمك ولا من نفسك لخصمك (٧) إلا بالحق الواضح.

واعلم أنه ليس على المرء أكثر من نصر الحق وتبيينه، ثم ليس عليه أن يصور للحواس أو في النفوس ما لا سبيل إلى تصويره وما لا صوره له أصلا، كمن أثبت أن الواحد الأول لا جوهر ولا عرض ولا جسم ولا في زمان ولا في مكان ولا حاملا ولا محمولا، فأراد الخصم منه أن يشكل له ذلك، فهذا لا يلزم؛ وهذا كأعمى كلف بصيرا أن يصور له الألوان، فهذا ما لا سبيل إليه، وهذا تكليف فاسد لا نقص في العجز عنه على المكلف (٨) . وأما ما دام ذلك ممكنا فواجب على المكلف بيانه


(١) س: فإن.
(٢) لنا من: لنا طرين في س.
(٣) س: تغفله.
(٤) س: وكلما.
(٥) س: الجنون.
(٦) م: وعكسه وعكسك.
(٧) م: من نفسك لخصمك ولا من خصمك لنفسك.
(٨) س: التكليف.

<<  <  ج: ص:  >  >>