للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأقصى ما يقدر عليه. ولقد أخبرني مؤدبي أحمد بن محمد بن عبد الوارث (١) رحمه الله أن أباه صور لمولود (٢) كان له أعمى ولد أكمه حروف الهجاء أجراما من قير ثم ألمسه إياها حتى وقف على صورها بعقله وحسه، ثم ألمسه تراكيبها (٣) وقيام الأشياء (٤) منها حتى تشكل الخط وكيف يستبان الكتاب ويقرأ في نفسه ورفع بذلك عنه غمة عظيمة. وأما الألوان فلا سبيل إلى ذلك فيها وليس إلا الإقرار بما قام به البرهان وإن لم يتشكل في النفس أصلا.

ولقد امتحنت مرة ببعض أصدقائنا فإنه سامنا أن نريه العرض منخزلا عن الجوهر قائما بنفسه، وقال لي: إن لم ترني ذلك فإني لا أصدق بالعرض. فلست أحصي كم مثلث له تربيع الطين ثم تدويره وذهاب [٨٧و] التربيع وبقاء الطين بحسبه، وحركات المرء من قيامه وقعوده (٥) وحمرة الثوب بعد بياضه، فأبى في (٦) كل ذلك إلا أن أريه العرض مزالا عن الجوهر باقيا بحسبه يراه في غير جوهر، فلا أحصي كم قلت له: إن العرض لو قام بنفسه وكان كما تريد مني لم يكن عرضا وإنما هو عرض لأنه بخلاف ما تريد أن تراه عليه، فلج (٧) وتمادى (٨) فعدت إلى أن قلت له مهازلا: لو أمكنك إخراجي عن كرة العالم فربما كان يمكن حينئذ لو أمكن انخزال العرض عن الجوهر ولا سبيل إلى كل ذلك أن تراه في غير (٩) جوهر؛ فأما والعالم كله (١٠) كرة مصمتة وجوهرة متصلة متجاورة الأجزاء لا تخلخل فيها ولا خلاء (١١) ، فحتى لو انفصل العرض من جوهر ما وجاز أن يبقى بعد انفصاله عنه لما صار إلا في جوهر آخر، لا


(١) أحمد بن عبد الوارث أبو عمر يعرف بابن أخي الزاهد وهو مؤدب ابن حزم في النحو (انظر التكملة: ٧٩٠ والجذوة: ٩٩) .
(٢) م: لمؤدب.
(٣) س: تراكبها.
(٤) م: الأسماء.
(٥) م: ثم قعوده.
(٦) في: سقطت من س.
(٧) س: فلح.
(٨) وتمادى: سقطت من س.
(٩) م: كل.
(١٠) كله: سقطت من م.
(١١) س: حلل.

<<  <  ج: ص:  >  >>