للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بد من ذلك (١) . فما ردعه هذا الهزء عما هجس في نفسه وفارقته آبيا فما أدري أوفق بعدي لرفض هذا المرار (٢) الهائج أم لا. فليس مثل هذا التكليف الفاسد وكون المرء لا تتشكل له الحقائق بقادح (٣) في البرهان ولا بملتفت إليه. وكفانا من ذلك كله (٤) وحسبنا قيام صحة ذلك في النفس بدلالة العقل على أنه حق فقط. ولو جاز لكل من لا يتشكل في نفسه شيء أن ينكره لجاز للأخشم أن ينكر الروائح، وللذي ولد أعمى أن ينكر الألوان، ولنا أن ننكر الفيل والزرافة، وكل هذا باطل. وإنما يجب على العاقل أن يثبت ما أثبت البرهان ويبطل ما أبطل البرهان، ويقف فيما لم يثبته ولا أبطله البرهان (٥) حتى يلوح له الحق. وكذلك ليس علينا قسر الألسنة إلى الإقرار بالحق لكن علينا قسر النفوس إلى الإقرار به وقطع الألسنة عن المعارضة الصحيحة لعدم وجودها، إذ لا يتعارض البرهان، وإذا أقمناه فقد أمنا أن يقيمه خصمنا، وكذلك أيضا إن قصر مقصر عن إقامة البرهان على حق يعتقده فذلك لا يضر الحق شيئا. ولا يفرح بهذا من خصمه إلا الذي يفرح بالأماني وهو الأحمق المضروب به المثل. ولا تقنع بغفلة خصمك بل انظر (٦) في كل ما يمكن أن يصح به قوله، فإن وجدت حقا ببرهان فارجع إليه ولا تتردد، ولا ترض لنفسك ببقاء ساعة آبيا من قبول الحق. وإن وجدت تمويها فبينه ولا تغتر بذهاب خصمك عنه فلعل غيره من أهل مقالته يتفطن لما غاب عنه. هذا ولا تقنع إلا بحقيقة الظفر ولا تبال أن قيل عنك إنك مبطل، فلك فيمن نسب إليه ذلك من المحققين أكرم أسوة من الأنبياء عليهم السلام فمن (٧) دونهم. نعم حتى إن كثيرا منهم قتل دفعا [٨٧ظ] لحقه ونسبة (٨) للباطل إليه. ولا تستوحش مع الحق إلى أحد، فمن كان معه الحق فالخالق تعالى معه (٩) . ولا تبال بكثرة خصومك ولا بقدم أزمانهم ولا بتعظيم الناس إياهم ولا


(١) لا بد من ذلك: سقط من س.
(٢) س: المراء.
(٣) س: قادح؛ م: بكادح.
(٤) كله. سقطت من س.
(٥) س: برهان.
(٦) بل انظر: سقط من س.
(٧) س: ومن.
(٨) س: ونسباً.
(٩) م: معه تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>