للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكم يوم رأينا فيه صحواً ... وأسمعنا بآخره الرعودا

وعاد الصحو بعد كما علمنا ... وأنت كذاك نرجو أن تعودا وكان سبب قولي هذه الأبيات عتاب وقع في يوم هذه صفته من أيام الربيع فقلتها في ذلك الوقت.

وكان لي في بعض الزمن صديقان وكانا أخوين فغابا في سفر ثم قدما، وقد أصابني رمداً فتأخرا عن عيادتي، فكتبت إليهما، والمخاطبة للأكبر منهما، شعراً منه: [من المتقارب]

وكنت اعدد أيضاً على ... أخيك بمؤلمة السامع

ولكن إذا الدجن غطى ذكاء ... فما الظن بالقمر الطالع ٤ - ثم هجر يوجبه الوشاة، وقد تقدم القول فيهم وفيما يتولد من دبيب عقاربهم، وربما كان سبباً للمقاطعة البتة.

٥ - ثم هجر الملل، والملل من الأخلاق المطبوعة في الإنسان، وأحرى لمن دهي به ألا يصفو له صديق، ولا يصح له إخاء، ولا يثبت على عهد، ولا يصبر على إلف ولا تطول مساعدته لمحب، ولا يعتقد منه ود ولا بغضة. وأولى الأمور بالناس ألا يقربوه منهم وإن يفروا عن صحبته ولقائه، فلن يحلو (١) منه بطائل، ولذلك أبعدنا هذه الصفة عن المحبين وجعلناها في المحبوبين، فهم بالجملة أهل التجني والتظني والتعرض للمقاطعة؛ وأما من تزيا باسم الحب وهو ملول فليس منهم، وحقه ألا يتجرع مذاقه (٢) ، وينفى عن أهل هذه الصفة ولا يدخل في جملتهم.

وما رأيت قط هذه الصفة أشد تغلباً منها على أبي عامر


(١) برشيه: يحظوا، والطبعات الأخرى: يظفروا، والصواب ما أثبته.
(٢) برشيه: أن يهجر مذاقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>