نظرته في المجموعة البشرية وشؤونها حين يقول:" تأملت كل ما دون السماء وطالت فيه فكرتي فوجدت كل شيء فيه وغير حي، من طبعه إن قوي أن يخلع على غيره من الأنواع هيأته ويلبسه صفاته، فترى الفاضل يود لو كان كل الناس فضلاء وترى الناقص يود لو كان كل الناس نقصاء، وكل ذي مذهب يود لو كان الناس موافقين له. " وعلماء الاجتماع المحدثون يرون في هذه الظاهرة ميلا إلى " الانسجام الاجتماعي ".
- ٢ -
وتسلمنا هذه النظرات الاجتماعية إلى ذلك المبدأ العام الذي لون تفكير ابن حزم في كلياته وجزئياته وهو " التوجه إلى الله تعالى "، فقد كان هذا الاعتبار حاضراً في ذهنه عند كل قولة يقولها وكل رأي يبديه حتى استسلمت فلسفته إلى نوع من الزهد يوحي لأول وهلة أنه يتعارض مع مبادئه الاجتماعية، ولكنه في الواقع زهد صحيح وسليم، تستطيع أن تعبيره تحقيقاً دقيقاً للسنة الاسلامية، ولا يضطلع به، بمثل هذا الوضوح، إلا رجل كابن حزم في تحريه ودقته وسعة اطلاعه وتشربه لروح الدين الاسلامي، فابن حزم مؤمن بقيمة الزهد، وتوجهه نظرته التشاؤمية أحياناً إلى تحبيب العزلة، ولكنه في مجموع نظرته يفهم أن الزهد هو التغلب على النفعية جهد الطاقة، وانه التربية النفسية التي تضحي بالعجب وتقضي عليه، ولذلك وقف كثيراً من جهده على توضيح الطرق التي يحارب بها العجب، ومضى يدرس الأفراد حتى يقف على دوافع هذه الرذيلة في أعماق نفوسهم ليستطيع القضاء على تلك الدوافع في منابتها. والزهد أيضاً هو التكيف المحمود الذي يمثله الرسول، وقد لخص ابن حزم سيرة الرسول في هذه الناحية تلخيصاً مبدعاً حين قال " وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو القدوة في كل خير والذي أثنى الله تعالى على خلقه والذي جمع فيه تعالى أشتات