ترى لو أن قائلاً قال: ان فلاناً يطأ أخته، لفحش ذلك ولاستقبحه كل سامع له حتى إذا فسر فقال: هي اخته في الإسلام، ظهر فحش هذا الاجمال وقبحه! وأما أنا فاني إن قلت لا آلم لنيل من نال مني لم أصدق، فالألم في ذلك مطبوع مجبول في البشر كلهم. لكني قد قصرت نفسي على أن لا أظهر لذلك غضباً ولا تخبطاً ولا تهيجاً، فان تيسر لي الامساك عن المقارضة جملة بأن أتأهب لذلك فهو الذي اعتمد عليه بحول الله تعالى وقوته، وان بادرني الأمر لم أقارض الا بكلام مؤلم غير فاحش أتحرى فيه الصدق ولا أخرجه مخرج الغضب ولا الجهل. وبالجملة فاني كاره لهذا، الا لضرورة داعية اليه مما أرجو به قمع المستشري في النيل مني أو قدع الناقل الي، إذ أكثر الناس محبون لإسماع المكروه من يسمعونه اياه على ألسنة غيرهم، ولا شيء أقدع لهم من هذا الوجه، فانهم يكفون به عن نقلهم المكاره على ألسنة الناس إلى الناس وهذا شيء لا يفيد الا إفساد الضمائر وادخال النمائم فقط.
ثم بعد هذا فان النائل مني لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لها: أما أن يكون كاذباً، وإما أن يكون صادقاً. فان كان كاذباً فلقد عجل الله لي الانتصار منه على لسان نفسه بأن حصل في جملة أهل الكذب، وبأن نبه على فضلي بأن نسب إلي ما أنا منه برئ العرض، وقد يعلم أكثر السامعين له كذبه إما في وقته ذلك وإما بعد بحثهم عما قال. وان كان صادقاً فانه لا يخلو من أحد من ثلاثة أوجهك إما أن أكون شاركته في أمر استرحت اليه استراحة المرء إلى من يقدر فيه ثقة وأمانة، فهذا أسوأ الناس حالة، وكفى به سقوطاً وضعة. وإما أن يكون عابني بما يظن أنه عيب وليس عيباً، فقد كفاني جهله شأنه. وهو المعيب لا من عاب. وإما أن يكون عابني بعيب هو في على الحقيقة وعلم مني نقصاً أطلق به لسانه، فإن كان صادقاً فنفسي أحق بأن ألوم منه، وأنا حينئذ أجدر بالغضب على نفسي مني على من عابني بالحق. وأما أمر إخواني فإني لست أمسك عن الامتعاض لهم، لكني