للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وان كنت مالك الأرض كلها ولا خليفة عليك - وهذا بعيد جداً في الإمكان، فما نعلم أحداً ملك معمور الأرض كلها على قلته وضيق مساحته (١) بالإضافة إلى غامرها (٢) فكيف إذا أضيف إلى الفلك المحيط - فتفكر فيما قال ابن السماك (٣) للرشيد، وقد دعا بحضرته بقدح فيه ماء ليشربه فقال له: يا أمير المؤمنين فلو منعت هذه الشربة بكم كنت ترضى أن تبتاعها فقال له الرشيد بملكي كله. قال: يا أمير المؤمنين، فلو منعت من خروجها منك، بكم كنت ترضى تفتدي من ذلك قال: بملكي كله. فقال: يا أمير المؤمنين أتغتبط بملك لا يساوي بولة ولا شربة ماء وصدق ابن السماك رحمه الله.

وان كنت ملك المسلمين كلهم، فاعلم أن ملك السودان وهو رجل أسود (٤) مكشوف العورة جاهل، يملك أوسع من ملكك. فان قلت أخذته بحق، فلعمري ما أخذته بحق اذ استعملت فيه رذيلة العجب، وإذا لم تعدل فيه فاستحي من حالك، فهي حالة لا حالة يجب العجب فيها.

(ز) وان أعجبت بمالك، فهذه أسوأ مراتب العجب فانظر في كل ساقط خسيس فهو أغنى منك، فلا تغتبط بحالة يفوقك فيها من ذكرت. واعلم ان عجبك بالمال حمق لأنه أحجار لا تنتفع بها الا بان تخرجها عن ملكك بنفقتها في وجهها فقط. والمال ايضاً غاد ورائح (٥) ، وربما زال


(١) ص: محاسنه.
(٢) ص: عامرها؛ والغامر من الأرض والدور خلاف العامر.
(٣) هو محمد بن صبيح مولي بن عجل، كوفي، قدم بغداد زمن هارون الرشيد، وكان يعظه، وبعد اقامته مدة ببغداد عاد الى الكوفة وتوفي بها سنة ١٨٣ (صفة الصفوة ٣: ١٠٥ وتاريخ بغداد رقم ٢٨٩٥) وموعظته التي أوردها ابن حزم مذكورة في العقد ٣: ١٦٤.
(٤) م: أسود رذل.
(٥) هو من قول حاتم الطائي:
أماوي إن المال غاد ورائح ... ويبقى من المرء الأحاديث والذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>