عنك ورأيته بعينه في يد غيرك، ولعل ذلك يكون في يد عدوك، فالعجب بمثل هذا سخف والثقة به غرور وضعف.
(ج) وان اعجبت بحسنك ففكر فيما عليك مما نستحيي نحن من اثباته وتستحي أنت منه إذا ذهب عنك بدخولك في السن. وفيما ذكرنا كفاية.
(ط) وان اعجبت بمدح اخوانك لك، ففكر في ذم أعدائك اياك، فحينئذ ينجلي عنك العجب، فان لم يكن لك عدو فلا خير فيك ولا منزلة أسقط من منزلة من لا عدو له، فليست إلا منزلة من ليس الله تعالى عنده نعمة يحسد عليها، عافانا الله.
فان استحقرت عيونك ففكر فيها لو ظهرت إلى الناس وتمثل اطلاعهم عليها، فحينئذ تخجل وتعرف قدر نقصك ان كانت لك مسكة من تمييز. واعلم بأنك لو تعلمت كيفية تركيب الطبائع وتولد الأخلاق من امتزاج ناصرها المحمولة في النفس فستقف من ذلك وقوف يقين على ان فضائلك لا خصلة لك فيها وأنها منح من الله تعالى لو منحها غيرك لكان مثلك، وانك لو وكلت إلى نفسك لعجزت وهلكت، فاجعل بدل عجبك بها حمداً لواهبك إياها وإشفاقاً من زوالها، فقد تتغير الأخلاق الحميدة بالمرض وبالفقر وبالخوف وبالغضب وبالهرم، وارحم من منع ما منحت، ولا تتعرض لزوال ما بك من النعم بالتعاطي (١) على واهبها تعالى، وبأن تجعل لنفسك فيما وهبك خصلة أو حقاً، فتقدر أنك استغنيت عن عصمته فتهلك عاجلاً واجلاً.
ولقد أصابتني علة شديدة ولدت علي ربواً في الطحال شديداً، فولد علي لك من الضجر وضيق الخلق وقلة الصبر والنزق أمراً حاسبت نفسي فيه، اذ أنكرت تبدل خلقي، فاشتد عجبي من مفارقتي لطبعي، وصح عندي أن الطحال موضع الفرح، فإذا فسد تولد ضده.
(١) التعاطي: الجرأة، وتناول ما لا يحق ولا يجوز تناوله؛ د: التعالي.