للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ي) وان أعجبت بنسبك، فهذه اسوأ من كل ما ذكرنا، لأن هذا الذي أعجبت به لا فائدة له أصلاً في دنيا ولا آخرة. وانظر هل يدفع عنك جوعة أو يستر لك عورة أو ينفعك في آخرتك.

ثم انظر إلى من يساهمك في نسبك، وربما فيما هو أعلى منه ممن نالته ولادة الأنبياء عليهم السلام ثم ولادة الخلفاء، ثم ولادة الفضلاء من الصحابة والعلماء ثم ولادة ملوك العجم من الأكاسرة والقياصرة، ثم ولادة التبابعة وسائر ملوك الاسلام، فتأمل غبراتهم وبقاياهم ومن يدلي بمثل ما تدلي به من ذلك تجد أكثرهم أمثال الكلاب خساسة، وتلقهم في غاية السقوط والرذالة والتبذل والتحلي بالصفات المذمومة. فلا تغتبط بمنزلة هم نظراؤك أو فوقك. ثم لعل الآباء الذين تفخر بهم كانوا فساقاً، وشربة خمور، ولاطة، ومتعبثين (١) ، ونوكى، أطلقت الأيام أيديهم بالظلم والجور، فأنتجوا آثاراً (٢) قبيحة يبقى عارهم بذلك على الأيام، ويعظم إثمهم والندم عليها يوم الحساب. فان كان ذلك فاعلم أن الذي أعجبت به من ذلك داخل في العيب والخزي والعار والشنار، لا في الاعجاب.

(ك) فان أعجبت بولادة الفضلاء اياك، فما أخلى يدك من فضلهم ان لم تكن أنت فاضلاً، وما أقل غناءهم عنك في الدنيا والآخرة ان لم تكن محسناً، والناس كلهم ولد آدم الذي خلقه الله تعالى بيده، وأسكنه جنته وأسجد له ملائكته، ولكن ما أقل نفعه لهم، وفيهم كل عيب (٣) وكل فاسق وكل كافر.

واذا فكر العاقل في أن فضائل آبائه لا تقربه من ربه تعالى ولا تكسبه وجاهة لم يحزها هو بسعده او بفضله في نفسه ولا ماله، فأي معنى


(١) م: ومغنين.
(٢) م: فأنتجوا ظلماً وآثاراً.
(٣) م: معيب، وقد تقرأ كذلك في ص.

<<  <  ج: ص:  >  >>