للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للإعجاب بما لا منفعة فيه وهل المعجب بذلك الا كالمعجب بمال جاره وبجاه غيره وبفرس لغيره سبق كان على رأسه لجامه (١) ، وكما تقول العامة في أمثالها: " كالخصي يزهى بذكر ابيه ". (٢)

(ل) فان تعدى بك العجب إلى الامتداح فقد تضاعف سقوطك، لأنه قد عجز عقلك عن مفارقة (٣) ما فيك من العجب. هذا ان امتدحت بحق، فكيف ان امتدحت بكذب! وقد كان ابن نوح وأبو إبراهيم وأبو لهب، عم النبي صلى الله عليه وعلى نوح وابراهيم وسلم، أقرب الناس من أفضل خلق الله تعالى من ولد آدم وممن الشرف كله في اتباعهم، فما انتفعوا بذلك. وقد كان فيمن ولد لغير رشدة، من كان الغاية في رئاسة الدنيا كزياد وأبي مسلم، ومن كان نهاية في الفضل على الحقيقة كبعض من نجله عن ذكره في مثل هذا الفصل ممن يتقرب إلى الله تعالى بمحبته (٤) والاقتداء بحميد آثاره.

(م) وان أعجبت بقوة جسمك فتفكر في أن البغل والحمار والثور أقوى منك وأحمل للأثقال، وان أعجبت بخفتك، فاعلم أن الكلب والأرنب يفوقانك في هذا الباب. فمن اعجب العجيب إعجاب ناطق بخصلة يفوقه فيها غير الناطق.

١٦٢ - واعلم أن من قدر في نفسه عجباً أو ظن لها على سائر الناس فضلاً، فلينظر إلى صبره عندما يدهمه من هم أو نكبة أو وجع أو دمل أو مصيبة، فان رأى في نفسه قلة الصبر (٥) فليعلم أن جميع أهل


(١) هذه حكاية عن أبي عبيدة أن الخيل أجريت للرهان فسبق فرس فجعل رجل من النظارة يكبر ويثب فقيل له أكان الفرس لك قال: لا ولكن اللجام لي (الميداني: ٢: ٥٧) .
(٢) يشبه في الأمثال القديمة " كالفاخرة بحدج ربتها " (الحدج: المركب) (انظر فصل المقال: ٤٠١ والميداني ٢: ٥٧) وأورده الميداني (٢: ٨١) كالخصي يفتخر بزب مولاه.
(٣) ص: عن مفارقة مقاومة (فكأنه أثبت قراءتين) .
(٤) د: بحبه.
(٥) د. م: فان رأى نفسه قليلة الصبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>