للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلاء من المجذمين وغيرهم من الصابرين، أفضل منه على تأخر طبقتهم في التمييز. وان رأى نفسه صابرة فليعلم أنه لم يأت بشيء يسبق فيه على ما ذكرنا بل هو إما متأخر عنهم وإما مساو لهم، ولا مزيد.

١٦٣ - ثم لينظر إلى سيرته وعدله أو جوره فيما خوله الله تعالى من نعمة أو مال أو خول أو أتباع أو صحة أو جاه، فان وجد نفسه مقصرة فيما يلزمه من الشكر لواهبه تعالى، ووجدها حائفة في العدل، فليعلم أن أهل العدل والشكر والسيرة الحسنة من المخولين أكثر مما هو فيه، أفضل منه. فإن رأى نفسه ملتزمة للعدل، فالعادل بعيد من العجب البتة لعلمه بموازين الأشياء، ومقادير الأخلاق، والتزامه التوسط الذي هو الاعتدال بين الطرفين المذمومين. فإن أعجب لم يعدل، بل قد مال إلى جنبة الافراط المذمومة.

١٦٤ - ولتعلم أن التعسف وسوء الملكة لمن خولك الله أمره من رقيق أو رعية يدلان على خساسة النفس ودناءة الهمة وضعف العقل، لان العاقل الرفيع النفس العالي الهمة، انما يغالب أكفاءه في القوة ونظراءه في المنعة. وأما الاستطالة على من لا يمكنه المعارضة، فسقوط في الطبع ورذالة في النفس والخلق وعجز ومهانة، ومن فعل ذلك فهو بمنزلة من يتبجح بقتل جرذ او بعقر برغوث او بفرك قملة وحسبك بهذا ضعة وخساسة.

١٦٥ - واعلم أن رياضة النفس (١) أصعب من رياضة الأسد، لان الأسد اذا سجنت في البيوت التي تتخذها (٢) لها الملوك، أمن شرها، والنفس ان سجنت لم يؤمن شرها.


(١) م: الأنفس.
(٢) ص: تتخذ.

<<  <  ج: ص:  >  >>