للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعجب، وهذا من عجيب ما يقع في هذا الباب، وهو شيء يسميه عامتنا " التمييز المتمندل " (١) وكثيراً ما نراه في النساء وفيمن عقله قريب من عقولهن من الرجال، وهو عجب من ليس فيه خصلة أصلاً، لا علم ولا شجاعة ولا علو حال ولا نسب رفيع ولا مال يطغيه وهو يعلم مع ذلك انه صفر من ذلك كله، لأن هذه الأمور لا يغلط فيها من يقذف بالحجارة (٢) ، وإنما يغلط فيها من له أدنى حظ منها، فربما يتوهم إن كان ضعيف العقل انه قد بلغ الغاية القصوى منها، كمن له حظ من علم، فهو يظن أنه عالم كامل، أو كمن له نسب معرق في ظلمة، وتجدهم لم يكونوا أيضاً رفعاء في ظلمهم، فتجده لو كان ابن فرعون ذي الأوتاد ما زاد على إعجابه الذي فيه، او له شيء من فروسية فهو يقدر انه يهزم علياً ويأسر الزبير ويقتل خالداً، أو له شيء من جاه رذل لا يرى الاسكندر على حال، أو يكون قوياً على أن يكسب، ما يتوفر بيده مويل يفضل عن قوته، فلو أخذ بقرني الشمس لم يزد على ما هو فيه. وليس يكثر العجب من هؤلاء وإن كانوا عجباً، لكن ممن لاحظ له من علم أصلاً، ولا نسب البتة، ولا مال ولا جاه ولا نجدة، بل نراه في كفالة غيره مهتضماً لكل من له أدنى طاقة، وهو يعلم أنه خال من كل ذلك، وأنه لاحظ له في شيء منه، ثم هو مع ذلك في حالة المزهو التياه.

ولقد تسببت إلى سؤال بعضهم في رفق ولين عن سبب علو


(١) م: التمترك؛ ولم أوفق الى توجيه لفظة " التمندل " حتى رأيت الدكتور عبد العزيز الأهواني رحمه الله قد أشار إلى الزجل (رقم: ١٢٥) لابن قزمان، وقد جاء في المقطوعة الثالثة منه (انظر مجلة المعهد المصري، المجلد: ١٩ (١٩٧٦ - ١٩٧٨) ص: ٦٠.
حبيب يتمنزل لما أنا عبد ... وفسر " يتمنزل " بمعنى يدل بمنزلته ويتكبر؛ وهذا توضيح جيد ولكنه يلقي شكاً على لفظة " التمييز " وأنا أعتقد أن اللفظتين لفظة واحدة، واضطرب فيهما الناسخ أو أن الأصل الصحيح هو: " وهو شيء يسميه عامتنا التمنزل والتمندل " والتمندل تعني أيضاً اصطناع الدل.
(٢) من يقذف بالحجارة: كناية عن المجنون؛ وفي ص: يغلط فيها من لا يقذف.

<<  <  ج: ص:  >  >>