للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صغر المساحة التي تقع تحت حكمه قال: " فهذه الجباية التي لو جمع كل الذهب الذي بأيدي الناس لم يبلغها. من أين خرجت " (١) وإذا قرأ أن ملك السودان غزا بيت المقدس بمليون مقاتل: لم يكتف بالتكاء على عاملي الجغرافيا والاقتصاد بل أضاف إليهما عامل العلاقات السياسية فرفض الخبر (أ) لبعد المسافة وكون أكثرها مفاوز لا تتحمل جيشاً بذلك العدد (ب) ولا بد أن يمر هذا الجيش على مصر فكيف يستطيع ذلك " هذا ممتنع في رتبة الجيوش وسيرة الممالك ". (ج) ومن المستبعد أن يكون ملك السودان قد سمع بشيء اسمه بيت المقدس (٢) .

وصحة التصور هي المدخل للنقد الدقيق، وقد أفاد ابن حزم في هذه الناحية من رافدين ثقافيين على وجه الخصوص وهما طريقة أهل الحديث والفكر الفلسفي. وتعتمد طريقة أهل الحديث على نقد السند أي على التعديل والتجريح للرواة. ومن نافلة القول أن أؤكد هنا على أهمية الخبر بالنسبة للمذهب الظاهري، وكونه الدعامة الثاني - بعد القرآن - في ذلك المذهب؛ وهذا موقف يستدعي معرفة شاملة دقيقة لعلم الرجال، مثلما يفترض الحذر الشديد في تقبل الخبر، وفي هذه الناحية وضع ابن حزم بين المتعنتين في التوثيق، وانتقده بعضهم لارتكابه عدة أخطاء في حق رواة مشهورين وصفهم بأنهم مجهولون مثل الترمذي والبغوي وإسماعيل بن محمد الصفار وأبي العباس الأصم (٣) ، حتى لقد قال ابن حجر في ترجمة الترمذي: " وأما أبو محمد ابن حزم فإنه نادى على نفسه بعدم الاطلاع فقال في كتاب الفرائض من الإيصال: محمد بن هيسى بن سورة مجهول، ولا يقولن قائل: لعله ما عرف الترمذي ولا اطلع على حفظه ولا على تصانيفه، فإن هذا الرجل قد أطلق هذه العبارة في خلق من المشهورين من الثقات الحفاظ ... " (٤) كذلك أخذ عليه أنه يجهل من هو كدام بن عبد الرحمن السلمي (٥) ويخلط بين كثير بن زيد الأسلمي وكثير بن عبد الله بن زيد بن عمرو ويقول في الثاني: ساقط متفق على اطراحه والرواية عنه، فيتعقبه البغدادي في ذلك (٦) ؛ كما يتعقب الحافظ قطب الدين الحلبي


(١) الفصل ١: ٢١٩.
(٢) الفصل ١: ٢٢٠.
(٣) الإعلان بالتوبيخ: ١٦٨ (علم التاريخ عند المسلمين: ٧٢٢) وهو ينقل عن ابن حجر، انظر الحاشية التالية.
(٤) تهذيب التهذيب ٩: ٣٨٨.
(٥) تهذيب التهذيب ٨: ٤٣١.
(٦) تهذيب التهذيب ٨: ٤١٤ - ٤١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>