للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم المصري ما ورد من أخطائه في كتاب المحلى خاصة (١) . ولا مراء في أن ابن حزم قد وقع في أخطاء لدى قيامه بالتجريح والتعديل، ولكن لهذه الأخطاء تفسيرات مختلفة، وليس الجهل واحداً منها، بل لقد أقر له من سجلوا عليه المآخذ، بأنه كان واسع الحفظ جداً، إلا أنه لثقة (لسعة) حافظته، كان يهجم على القول في التعديل والتجريح وتبيين أسماء الرواة فيقع له من ذلك أوهام شنيعة (٢) . ولكن هذه الثقة في الحفظ أو السعة فيه لا تفسر كل شيء، بل هناك أسباب أخرى مضافة إلى تلك الثقة حتى في حال وصفه لأحد المشهورين بأنه مجهول: فالخلاف في التعديل والتجريح يتسع إلى يقل معه الاتفاق بين العلماء بوجه إجماعي على توثيق أحد الرواة، وابن حزم في كثير من علمه في الرجال يعتمد على من سبقوه، فإذا اختار تجريح أحدهم فمعنى ذلك أنه - في أغلب الأحيان - اتبع في الحكم عليه أحد السابقين، ولذلك فليس حجة على ابن حزم أن يقال: فلان وثقه ابن معين أو عده ابن حبان في الثقات. فهذا محمد بن سليمان المشمولي المخزومي ذكره ابن حبان في الثقات، كما ذكره العقيلي والساجي والدولابي وابن الجارود في الضعفاء، فليس أحد الموقفين بملزم لابن حزم، وإنما هو يحكم رأيه فيما يراه مناسباً، ولهذا يقول فيه: منكر الحديث (٣) .


(١) أورد ابن حجر (في لسان الميزان ٤: ٢٠١ - ٢٠٢) أمثلة مما أخذه عليه القطب، فمن ذلك عند إيراده حديث لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر، قال: الرواية في هذا الباب ساقطة مطروحة مكذوبة، فذكر منها طريق يسار مولى ابن عمر عن كعب بن مرة وقال: يسار مجهول ومدلس، وكعب لا يدري من هو، قال القطب: يسار قال أبو زرعة مدني ثقة.
وقال ابن حزم في حديث عائشة، قلت: يا رسول الله قصرت وأتممت وصمت وأفطرت قال: أصبت يا عائشة، انفرد به العلاء بن زهير وهو مجهول، قال القطب: أخرج الحديث النسائي والدارقطني وروى عن العلاء وكيع وأبو نعيم والفريابي وغيرهم وقال ابن معين: ثقة.
وقال ابن حزم في حديث أم سلمة: كنت ألبس أوضاحاً من ذهب ... الحديث؛ عتاب: مجهول؛ قال القطب: أخرج الحديث أبو داود محمد بن عيسى بن الطباع عن عتاب وهو ابن بشير، عن ثابت بن عجلان عن عطاء عنها؛ وعتاب هو ابن بشير الجزري روى عنه إسحاق بن راهويه ومحمد بن سلام البيكندي وغيرهما، وأخرج له البخاري، وأخرج الحديث المذكور الحاكم في المستدرك، وقال ابن معين: ثقة.
وقال ابن حزم في الحديث الذي أخرجه النسائي من طريق المرقع بن صيفي عن جده رباح بن الربيع: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لرجل: أدرك خالداً فقل له لا تقتل ذرية ولا عسيفاً؛ المرقع مجهول؛ قال القطب روى عنه ولده عمر ويحيى بن سعيد الأنصاري ويونس بن أبي إسحاق وأبو الزناد وموسى بن عقبة، وذكره ابن حبان في الثقات، فليس بمجهول.
(٢) لسان الميزان ٤: ١٩٨.
(٣) لسان الميزان ٥: ١٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>