للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أهم أسباب الخلاف في التصحيف في أسماء الرواة (١) ، وقلب النسب، أو الاختصار فيه أو سقوط بعض أجزائه (٢) أو التشابه في الاسم والنسب معاً (٣) ؛ وعن هذه الطرق يدخل الوهم وتتباين الأحكام ويتسع مجال الاختلاف.

ومهما يكن سبب ما عد على ابن حزم من أخطاء، فإن ما يهمنا هنا هو المنهج الذي أمده به علم الحديث، وهو منهج يتحرى الدقة ويتشدد في محاكمة السند، وربما لم يحتج ابن حزم إلى كل ذلك في موقفه من الروايات التاريخية، ولكن روح المنهج الحديثي تلبست به ووجهت فكره، وسنى أثرها لديه فيما يلي عند الحديث عن أحكامه التاريخية.

ولو انفرد هذا المنهج في أثره لكان ابن حزم - في الأرجح - سلبي الموقف من التاريخ والروايات التاريخية، إذ لا يمكن أن يصل التحري هنا إلى ما يصل إليه في علم الحديث، ولكن ذلك المنهج توازى مع مؤثر آخر، هو تفتح فكره على الدراسات الفلسفية والمنطقية، فهذه الدراسات هي التي مهدت لديه تحكيم العقل في الرواية نفسها لا في رواتها، ورفضها على أساس عقلي، كما وسعت لديه الآفاق التي يستطيع أن يرودها بفكره، بحيث يتجاوز موقفه الظاهري الذي يحرص عليه في باب التشريع؛ وقد لحظ بعض الأقدمين هذه الازدواجية لديه فقال ابن كثير: " والعجب كل العجب منه أنه كان ظاهرياً حائراً في الفروع لا يقول بشيء من القياس لا الجلي ولا غيره،.... وكان مع هذا من أشد الناس تأويلاً في باب الأصول وآيات الصفات وأحاديث الصفات لأنه كان أولاً قد تضلع من علم المنطق ... " (٤) ؛ وهذا الذي


(١) تصحف جميل بن كريب لدى ابن حزم فأصبح جميل بن جرير (لسان الميزان ٢: ١٣٥) وحبة بن مسلم فأصبح حبة بن سهل (٢: ١٦٦: ١٦٧) .
(٢) الأمثلة في ذلك كثيرة؛ فقد ذكر ابن حزم: نصر بن عاصم الأنطاكي وصحح له حديثاً في المحلى؛ والاسم خطأ وصوابه عبد الله بن نصر الأصم؛ فسقط عبد الله من النسب وصحف الأصم بعاصم (لسان الميزان ٦: ١٥٥) .
(٣) مثال ذلك عبد الله بن عمرو بن لويم، قال ابن حزم فيه: مجهول، وعده غيره في الصحابة، فقال ابن حجر معلقاً: " ثم ظهر لي أن ابن حزم ما عنى هذا وإنما عنى آخر يوافقه في الاسم والأب والجد " (لسان الميزان ٣: ٣٢١) .
(٤) البداية والنهاية ١٢: ٩٢ ومما لا ريب فيه أن ابن كثير كان معجباً بابن حزم حتى أنه رأى الشيخ محيي الدين النواوي في المنام (ليلة الاثنين ٢٢ محرم ٧٦٣) فسأله: يا سيدي الشيخ لم لا أدخلت في شرحك المهذب شيئاً من مصنفات ابن حزم فقال ما معناه إنه لا يحبه، فقال ابن كثير: أنت معذور فيه فإنه جمع بين طرفي النقيضين في أصوله وفروعه، أما هو في الفروع فظاهري جامد لابس وفي الأصول تول مائع قرمطة القرامطة وهرمس الهرامسة.... قال ابن كثير: ثم أشرت له إلى أرض خضراء تشبه النجيل بل هي أردأ شكلاً منه لا ينتفع بها في استغلال ولا رعي، فقلت له: هذه أرض ابن حزم التي زرعها؛ قلت: فانظر إلى دلالة هذا المنام ما أعمقها: ابن كثير حزين في دخلة نفسه لأن الشيخ لم يقتبس من مصنفاته ولكنه بقوة العامل الخارجي مدفوع إلى إنكاره وهو يكرر في المنام رأياً جهر به في اليقظة، ثم يرى ما زرعه ابن حزم خضرة تسر النظر لكنه مدفوع إلى إنكارها لأن أرضها لا تستغل (حتى النواوي لم يستغلها) .

<<  <  ج: ص:  >  >>