للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر من هذا المنهج، إذ جنح إلى التركيب لا إلى التحليل، في الحكم على الأشخاص والعهود، وهو في هذا يتفق وابن حيان في الإدانة أو ما يسميه ابن بسام تسجيل المثالب (١) ، ولكنهما يختلفان في الطريقة، إذ ما يزال ابن حيان مولعاً بالتحليل مستقصياً فيما يقول، بينما يذهب ابن حزم إلى الإجمال. وقد نجد نماذج من ذلك في جميع الرسائل التي جمعت معاً في هذا الجزء، ولهذا يكفي في مقام الاستشهاد أن أورد أمثلة قليلة.

فمن أحكامه على الأشخاص قوله في الحكم الربضي: " وهو الذي أوقع بأهل الربض، وقتل الفقهاء والخيار وخصى عدداً من ذوي الجمال من أهل قرطبة ... وهدم الديار والمساجد وولى ذلك رجلاً نصرانياً كان أثيراً عنده اسمه ربيع " (٢) . وذكر الأمير عبد الله بن محمد فقال: " كان قتّالاً تهون عليه الدماء، مع ما كان يظهره من عفته، فإنه احتال على أخيه المنذر لما قصده بالعسكر، وواطأ عليه حجاماً سم المبضع الذي فصده به، ثم قتل ولديه معاً بالسيف واحداً بعد واحد وقتل أخاه القاسم ثالثهم، إلى من قتل من غيرهم ". (٣) ويقول في سليمان بن الحكم المتلقب بالمستعين: " وهو الذي كان شؤم الأندلس وشؤم قومه، وهو الذي سلط جنده من البرابرة فأخلوا مدينة الزهراء وجمهور قرطبة حاشا المدينة وطرفاً من الجانب الشرقي، وأخلوا ما حوالي قرطبة من القرى والمنازل والمدن وأفنوا أهلها بالقتل والسبي وهو لا ينكر ولا يغير عليهم شيئاً " (٤) إلى أمثلة أخرى كثيرة لا مجال لاستقصائها.

ومن أحكامه على العهود والدول قوله الجامع في وصف الدولتين الأموية والعباسية: " وانقطعت دولة بني أمية، وكانت دولة عربية لم يتخذوا قاعدة، إنما كان سكنى كل امرئ منهم في داره وضيعته التي كانت له قبل الخلافة، ولا أكثروا احتجان الأموال ولا بناء القصور، ولا استعملوا مع المسلمين أن يخاطبوهم بالتمويل ولا التسويد ويكاتبوهم بالعبودية والملك، ولا تقبيل الأرض ولا رجل ولا يد، وإنما كان غرضهم الطاعة الصحيحة من التولية.... فلم يملك أحد من ملوك الدنيا ما ملكوه من الأرض،


(١) هذا لا يعني أن ابن حزم أو ابن حيان لم يكن يسجل إلا المثالب، ولكن ابن بسام حين جمع هذه المثالب في نطاق وهو يترجم لابن حيان أعطاها بروزاً صارخاً لا يقف إلى جانبه شيء آخر.
(٢) الجمهرة: ٩٥ - ٩٦.
(٣) أعمال الأعلام (بروفنسال) : ٢٦.
(٤) الجمهرة: ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>