للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهذا العالم " (١) . ثم يذكر عن أخيه أبي بكر وزوجه عاتكة " أنهما كانا في حد الصبا وتمكن سلطانه تغضب كل واحد منهما الكلمة التي لا أقدر لها، فكانا لم يزالا في تغاضب وتعاقب مدة ثمانية أعوام، وكانت قد شفها حبه وأضناها الوجد فيه " (٢) ثم فرق بينهما الموت، وليس بمستبعد ان يكون الخبر في الحالين واحداً. ومثل ذلك أيضاً قد يستشف من أخبار رواها ابن حزم عن نفسه فقال مرة: دعني أخبرك أنني أحببت في صباي جارية لي شقراء الشعر " (٣) ثم قال: " وذلك أني كنت أشد الناس كلفاً وأعظمهم حباً بجارية لي - كانت فيما خلا - أسمها نعم " (٤) فهل " نعم " هي تلك الشقراء او هي غيرها اعتقد أن إخفاء الاسم في المرة الأولى ساعد ابن حزم على الاستشهاد بالواقع الواحد في موضعين متباعدين.

بل لعلي أذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فأزعم ان ابن حزم كان يخفي اسمه أحياناً، لتتم له رواية الحكاية على وجه مقبول، لحساسية خاصة في طبيعة القصة. ولعل أقوى ما يمثل ذلك قصة المرأة التي أحبت في غير ذات الله عز وجل (٥) فقد تفنن ابن حزم في وصفها أيام المودة، وفي وصفها بعد التغير بما ينبئ عن لذة داخلية عميقة باسترجاع ذينك الموقفين، ولا يحاول أحد أن يسترسل في وصف هاتين الحالتين على النحو الذي فعله ابن حزم إلا إن كان يصور علاقة ذاتية في الحكاية، أو كان قاصاً محترفاً، ولما لم يكن ابن حزم هو الثاني، فذلك يجعلنا نأخذ بالفرض الأول.


(١) باب الوصل (رقم: ٢٠ ص: ١٨٥) .
(٢) باب الموت (رقم: ٢٨ ص: ٢٥٩) .
(٣) باب من أحب صفة لم يستحسن بعدها غيرها (رقم: ٧ ص: ١٣٠) .
(٤) باب البين (رقم: ٢٤ ص: ٢٢٣ - ٢٢٤) .
(٥) باب قبح المعصية (رقم: ٢٩ ص: ٢٨١ - ٢٨٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>