للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ان ابن حزم رأى أن يلتزم في خطته بأمر آخر: وهو أن يستشهد في الرسالة بأشعار قالها هو لا بأشعار لغيره، ونبهنا إلى أن مضمون تلك الأشعار لا ينصرف دائماً اليه، لأن أصدقاءه كثيراً ما كانوا يكلفونه نظم الشعر في ما يقع لهم من أحداث. وهذا الالتزام متصل بطبيعة المؤلف لا بطبيعة الرسالة، ويبدو من أول الأمر تحكماً لا يسنده تعليل قوي: عل كان ابن حزم يعتقد أن إيراد أشعار الآخرين يبعده عن الواقع ويسلمه إلى الخيال هل كان يحس أن محفوظه من الشعر غزير وأنه إن تمثل بالشعر لم يكد يكتفي منه بالقطعة والقطعتين في الموقف الواحد، وبهذا تعود رسالته صورة أخرى من كتاب الزهرة أكبر الظن أنه شاء ان يبعد عن " الزهرة " قدر المستطاع ليلتقي بها في جانب آخر، ففي الزهرة أيضاً عمد ابن داود - فيما يرجح الدارسون - إلى إيراد شعره نفسه مع أشعار الشعراء الآخرين تحت عنوان مبهم هو " وقال بعض أهل العصر "، فرأى ابن حزم ان هذا عمل يتيح له الفرصة ليعرض شعر الصبا والشباب، بعد أن كان آخذاً بالتحول عن هذا اللون الوجداني من الشعر، كما اشرت من قبل.

بعد التقيد بهذه الالتزامات أصبح وضع منهج للرسالة أقرب إلىالتحقيق؛ ولا بد لذلك المنهج من ان يكون دقيقاً قائماً على تصور واضح مكتمل، لا كمنهج ابن داود الذي لم يؤسس على خطة سليمة، فتعددت عنده الفصول وتباعدت فيها النظائر: ووجد ابن حزم أن رسالته يمكن أن تقسم في ثلاثة فصول وخاتمة: فصل في أصول الحب (وهي عشرة) وفصل في أعراض الحب (وهي اثنا عشر) وفصل في الآفات الداخلة على الحب (وهي تجيء في ستة أبواب ثلاثة منها للأشخاص: العاذل والرقيب والواشي، وثلاثة للأحوال، الهجر والبين والسلو) وخاتمة من فصلين في قبح المعصية وفضل التعفف.

ويبدو بوضوح ان المنهج منطقي، ولكن كتابته على هذا النحو المتدرج تباعد بين الأمور المتوازية؛ فالوصل من أعراض الحب مثلاً، وضده

<<  <  ج: ص:  >  >>