للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهجر وهو آفات الحب، وهما يقفان متباعدين إذا التزمنا بالمقولات الثلاث. لهذا بعد ان قرر ابن حزم هذا الهيكل المنطقي عاد فغير ترتيب الفصول بحيث يتوازى كل موضوع مع ضده إن وجد له ضد.

وقد حتم عليه هذا المنهج ان يستبعد موضوعات تتصل بالحب أو يجعلها هامشية بينما يعالجها غيره في فصول مستقلة مثل الشوق والحنين، والبكاء والعتاب والغيرة، ودرجات المحبة، ولا ريب في أن ابن حزم تحدث عن هذه الموضوعات، إلا أنه رآها تفريعاً على موضوعات أكبر منها، فجعل البكاء من علامات الحب، والمح إلى العتاب في مواطن، وتحدث عن غيرته هو وعن القنوع بالشركة في المحبوب لذهاب الغيرة وعن سقوط ابن الجزيري وغيره لسقوط الغيرة من نفوسهم، ولعله أدرك من بعد أن منهجه في الطوق لم يمكنه من تحديد بعض الأمور المتعلقة بموضوع الحب فعاد إلى " الغيرة " في رسالته " في مداواة النفوس " فحددها بأنها " خلق فاضل متركب من النجدة والعدل لان من عدل كره أن يتعدى إلى حرمة غيره وأن يتعدى غيره على حرمته، ومن كانت النجدة له طبعاً حدثت فيه عزة، ومن العزة الأنفة من الاهتضام " (١) وقرر هنالك ان الغيرة إذا ارتفعت ارتفعت المحبة (٢) . فابن حزم إذن لا يمكن أن يفرد للغيرة باباً في رسالة عن الحب لأنها " خلق " ولكنه قد يتحدث عنها في معرض الحديث عن ظواهر معينة من الحب.

وفي رسالة مداواة النفوس توقف عند درج المحبة، وهو موضوع لم يتح له منهجه في الطوق أن يعالجه فقال: " درج المحبة خمسة أولها الاستحسان وهو أن يتمثل الناظر صورة المنظور إليه حسنة أو يستحسن أخلاقه، وهذا يدخل في باب التصادق، ثم الإعجاب وهو رغبة الناظر في المنظور اليه في قربه، ثم الألفة وهي الوحشة إليه متى غاب، ثم


(١) رسائل ابن حزم: ١٤١.
(٢) المصدر نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>