للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلف وهو غلبة شغل البال به، وهذا النوع يسمى في باب الغزل بالعشق، ثم الشغف وهو امتناع النوم والأكل والشرب إلا اليسير من ذلك وربما أدى ذلك إلى المرض أو التوسوس أو إلى الموت، وليس وراء هذا منزلة في تناهي المحبة أصلاً (١) ؛ والحق أن هذا التدرج أمر ضمني في تلك الفصول التي تحدث فيها ابن حزم عن التعريض ثم الإشارة بالعين ثم المراسلة ثم إرسال سفير، ثم في الموت، فلو أفرد الحديث عن درج المحبة هنالك لتعرض بعض أجزاء رسالته للتكرار والتداخل.

وكأن ابن حزم كان ما يزال تحت تأثير كتاب الزهرة عندما كتب رسالته " في مداواة النفوس " فقد ذكر ابن داود موضوع التدرج في المحبة حين قال: " فأول ما يتولد عن النظر والسماع الاستحسان ثم يقوى فيصير مودة.. ثم تقوى المودة فتصير محبة ثم تقوى المحبة فتصير خلة ثم تقوى الخلة فتوجب الهوى ثم تقوى الحال فيصير عشقاً الخ " (٢) وهما لا يتفقان في المصطلح، وإنما يتفقان في القول بأن التدرج أمر واقعي.

ولكن منهج ابن حزم على منطقيته، بل سبب منها، لم يستطع أن يتلاقى التداخل، وكيف يمكن ذلك في موضوع عاطفي مثل الحب، تولته المصطلحات اللغوية المتداخلة المتقاربة بالتحديد، قبل أن يحاول العقل رسم حدود له ولهذا أمكن الحديث عن الملل والهجر والغدر وما أشبه في غير موطن واحد من طوق الحمامة، ولكن الذي يخفف من التكرار والتداخل أن ابن حزم لم يكن غافلاً عنه، بل كان وعيه الدقيق للمبنى الكلي مسيطراً في كل مرحلة.

٧ - بين النظرية والتطبيق:

لم يقبل ابن حزم بالرأي الذي أورده ابن داود وهو أن الأرواح أكر مقسومة في العالم العلوي، وأن كل قسم يحن إلى نظيره؛ بل عدل فيها


(١) المصدر نفسه.
(٢) الزهرة: ١٩ - ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>