ليقول إن النفوس تنقسم في هذه الخليقة (لا في عالم علوي) وأنها ليست أكراً (ولكنه لم يحدد لها شكلاً) وأن عنصرها رفيع، فالحب اتصال بين تلك الأجزاء، على أساس من المجانسة والمشاكلة (وهو ما لا ينفك ابن داود من تكريره في كتابه وذلك ما قال به المتكلمون في مجلس يحيى ابن خالد) وذلك سهل على نفس تنزع إلى نفس لان عالمها صاف خفيف وجوهرها صعاد معتدل، فالحب إذن تقارب بين النفوس وليس منشؤه استحسان الصورة الجسدية إذ لو كان الأمر كذلك لما استحسن محب صورة جسدية ناقصة، ولو كان الأمر لتوافق في الأخلاق لما أحب المرء من يخالفه.
وقد كانت هذه البداية مصدر اضطراب لدى ابن حزم لا ندري سببه، ولعله اضطراب في النسخة التي وصلتنا (١) ، فبعد أن أكد أن انقسام النفوس يتم في هذه الخليقة عاد يقول إن قوله المسطر في صدر الرسالة هو " إن الحب اتصال بين النفوس في أصل عالمها العلوي ". وبعد أن قرر أن الاتصال يتم بين أجزاء النفوس المتشاكلة، وأنه ليس استحساناً جسدياً ولو كان كذلك لما أحب امرؤ صورة ناقصة، عاد يخبرنا ان الحب يقع في الأكثر على الصورة الحسنة، لأن النفس الحسنة تولع بكل شيء حسن وتميل إلى التصاوير المتقنة، فإذا وجدت وراء الصورة (الجسدية) الحسنة مشاكلة اتصلت وصحت المحبة، فان لم تميز شيئاً توقفت عند حب الصورة؛ وهذا يعني أن الحب يبدأ باستحسان الصورة الجسدية الحسنة، وأن محبة الصور الناقصة أمر نادر.
هذا هو شأن الحب الذي يسمى العشق، فهو امتزاج نفساني، فان قيل لماذا يحب المرء محبوباً ثم لا يبادله المحبوب ذلك فالجواب عند ابن حزم ان النفس المحبوب في هذه الحالة تكون قد أصبحت أسيرة الأغراض الكثيفة والطبائع الأرضية، مغمورة بالحجب، فهي " ساكنة " في ظلمة
(١) قوله: " لا على ما حكاه ابن داود " فلو حذفنا " لا " لزال بعض ذلك الاضطراب.