للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(متقبلة لا مهاجمة) ولهذا لا تستثار إلا بعد محاولات من ايصال المعرفة إليها وتنبيهها من غفلتها لتستطيع التجاوب مع روح المحب التي تكون متخلصة غير مأسورة، طالبة لنظيرها " متحركة " (مهاجمة لا متقبلة) جاذبة مشتهية لتمام التلاقي. ومثل هذا الفهم يؤكد لابن حزم أن الحب " عملية " تتطلب زمناً متطاولاً، وتكراراً في ايقاظ نفس الصنو، فأما ما يتم بسرعة من جراء الاستحسان الجسدي، أو ما يسمى الحب من النظرة الأولى فذلك هو " الشهوة "، ولهذا التجاذب بين الصنوين لا يصح ان يحب المرء اثنين في آن معاً. ولكن " الشهوة " نفسها قد تتحول إلى حب، إذا زادت عن حد الرضى الجسدي، واجتمعت تلك الزيادة مع اتصال نفساني تشترك فيه الطبائع مع النفس.

إذن فنحن ازاء نظريتين في الحب، لا نظرية واحدة، وقد لفهما ابن حزم لفاً سريعاً، وكأنهما ظاهرة واحدة وكأن احداهما تكمل الأخرى. والواقع أن هنالك حباً بين نفسين، وهو حب علوي، لا مدخل فيه للاستحسان الجسدي، وهنالك حب يبدأ بالاستحسان الجسدي، وهو شهوة، ثم تصعد الشهوة بالرضى الجنسي أو ما أشبهه لدى المحب والمحبوب (كقصة الرجل الذي كان يبتاع الجارية وهي سالمة الصدر من حبه، بل ربما كرهته، وسرعان ما يتحول الكره إلى كلف شديد لأنه كان بطيء الإراقة، تقضي المرأة شهوتها معه مرة أو مرتين) فتوافق الشهوة أخلاق النفس، فتنشأ المحبة. وعلى الرغم من غموض في عبارة " توافق أخلاق النفس " فان البون شاسع جداً بين النظرية الأولى والثانية، لأن النفسين في الحالة الثانية لم تتعارفا إلا بعد تعارف الجسدين، وليس من الضروري ان تكونا منقسمين في عالمها العلوي، فإذا أقررنا بهذا الاحتراس، انتقضت النظرية الأولى، وهي منقوضة منذ البداية، لأنها لا تستطيع ان تفسر حالات الحب في الواقع كما عرضها ابن حزم. ومثال واحد على ذلك يعد كافياً في هذا المقام: ابن حزم نفسه الذي لم يكن يؤمن إلا بالحب بعد تطاول الزمن، أحب أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً، فهل

<<  <  ج: ص:  >  >>