للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن اختلاف الأطماع، وعد هنالك ضروباً منها ثم قال: " فهذا كله جنس واحد على قدر الطمع فيما ينال " (١) .

ويضيف قائلاً: " فقد رأينا من مات على ولده كما يموت العاشق أسفاً على معشوقه، وبلغنا عن من شهق من خوف الله تعالى ومحبته فمات، ويتدرج الطمع من الحظوة والزلفة لدى المحبوب (كما في حب الإنسان لله) إلى المجالسة فالمحادثة فالمؤازرة (محبة السلطان والصديق وذوي الرحم) وأقصى الطمع المخالطة بالأعضاء: " ولذلك نجد المحب المفرط في ذات فراشه يرغب في مجامعتها على هيئات شتى وفي أماكن مختلفة ليستكثر من الاتصال " فإذا انحسم الطمع لم تكن محبة، فالمجوسي يستحل ابنته واليهودي ابنة أخيه، للطمع الموجود، ولكن المسلم لا يفعل ذلك ولو أنهما أجمل من الشمس وكان هو أعهر الناس وأغزلهم، لذهاب مادة الطمع، (٢) ؛ وهكذا غابت تماماً نظرية الاتصال بين النفوس وحل محلها التلاحم الجسدي، على أشكال شتى. وكأننا بابن حزم بعد عهد " طوق الحمامة " أصبح أكثر إدراكاً لواقع العلاقات الإنسانية.

بل أزيد فأقول إن مفهوم الحب الأفلاطوني، حتى في عهد الطوق لم يكن يلائم ابن حزم، وإنما كان مادة دخيلة على واقعيته الشاهرة، ولعله أخذ بالفكرة من زاوية فلسفية، فلما راح يسرد نماذج من تجارب الحياة، لم يجد بين الفكرة والواقع لقاء. وحسبك من امرئ يعترف بان " الاغتصاب " يكون أحياناً طريقاً لتحقيق الحب، ماذا تراه يعني حين يقول: " وربما اتبع المحب شهوته وركب راسه، فبلغ شفاءه من محبوبه، وتعمد مسرته منه على كل الوجوه، سخط أو رضي " (٣) ، اترى هذا يعني غير التحكم القاسر، وتنفيذ الإرادة التي لا رد لها!


(١) رسائل ابن حزم: ١٣٨.
(٢) المصدر السابق: ١٣٨ - ١٣٩.
(٣) باب المخالفة (رقم: ١٥ ص: ١٦٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>