للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان انقسام النفوس في عالمها العلوي (أو في هذه الخليقة) انقساماً يوازي الآية القرآنية: " هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن اليها " فأين يمكن ان يقع في سياق تلاقي الأجزاء حب الذكر للذكر (١) وإذا كان ذلك في أصل تجزئة النفوس فلماذا لم تكن سبيلاً إلى السكون ولقد أقر ابن حزم - على مستوى الواقع - بوجود هذا النوع من الحب، اعني انه ذكر " أحداثاً " بعضها معروف مشهور تتصل بذلك النوع، ولم يحاول ان يعللها - او يقرر إلى أين تنتهي - على أساس من فكرة انقسام النفوس، او حتى على أساس الاستحسان الجسدي الذي يؤدي إلى اتصال النفوس.

إن الاعتماد على فكرة انقسام النفوس (في عالمها العلوي أو في الخليقة) - وهي على الأساس الافلاطوني أو الأفلوطيني أجزاء من النفس الكلية المتصلة بالأول - لا يلبث لدى ابن حزم ان يتهاوى، لأننا نكتشف لديه ان النفس تعني عنده " الأمارة بالسوء "، وهذه تنقاد للشهوات، وضدها العقل (وقائده العدل) ؛ وهاتان الطبيعتان - العقل والنفس - قوتان من قوى الجسد الفعال بهما، وهما في تنازع مستمر، فغلبة العقل تعني اتباع العدل والاستضاءة بنور الله، وغلبة النفس تعني عمى البصيرة وضياع الفرق بين الحسن والقبيح " والروح واصل بين هاتين الطبيعتين وموصل ما بينهما " (٢) ؛ وإذا فإن النفس التي يعرفها ابن حزم ليست قوة نورانية تحيط بها ستور الجسد وتحجب عنها التعرف إلى صنوها، كما قال في أول الرسالة، بل هي التي تؤدي إلى هلكة الإنسان، ورغم ذلك فإن ابن حزم يسميها هي والعقل " جوهرين عجيبين رفيعين علويين " وهكذا يضطرب ابن حزم اضطراباً واضحاً ويزيد من اضطرابه هنا تفرقته بين


(١) ليس في طوق الحمامة أي شاهد على حب الأنثى للأنثى، مع ان الشواهد الأدبية التي يعرفها ابن حزم ولا بد مليئة بنماذج من هذا النوع، وانظر ص: ٦٧.
(٢) الباب: ٢٩ (قبح المعصية ص: ٢٦٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>