للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفس والروح، مع أنه يقول من بعد: " والنفس والروح اسمان مترادفان لمسمى واحد ومعناهما واحد " (١) .

إن هذا الصراع بين المفهوم الأفلاطوني للنفس والمفهوم القرآني، يقابله صراع آخر بين ابن حزم الاجتماعي الواقعي وبين ابن حزم الأخلاقي المتدين، فالأول منهما لا يؤمن بان النظرة الأولى لك والثانية عليك (٢) ، ويقترب من المرأة بحيث يتجاوز نص الحديث " باعدوا بين انفاس الرجال والنساء " (٣) ، والثاني يؤمن بعكس ذلك تماماً، إيماناً نظرياً فهو يقول: " والصالح من الرجال من لا يتعرض إلى المناظر الجالبة للأهواء ولا يرفع طرفه إلى الصور البديعة التركيب " وفي سلوكه العملي يكرر النظر حتى ترسخ العلاقة ويلاحق المرأة من مكان إلى آخر، ويقول في السفير: ويجب تخيره واستجادته واستفراهه " (٤) وكلمة " يجب " تدل على ان الأمر عملياً لابد من ان يقع، رغم أن المتدين القابع في نفس ابن حزم يقول: " وكم داهية دهت الحجب المصونة والأستار الكثيفة والمقاصير المحروسة والسدد المضبوطة " يعني من مثل ذلك السفير.

هنالك إيمان قار لدى ابن حزم وهو أن التعفف أمر عسير، ولا يملك - وهو يحض عليه - أن يجزم بأن من نجا في امتحان تحقيق الرغبة عند إمكانها لا يتعدى أحد سببين: طبع ليس من السهل استدراجه في لحظة أو كلمة وكلمتين، ولكن لو طال الامتحان لسقط فيه الممتحن، وبصيرة حادثة - على المكان - قهرت الشهوة وردتها إلى جحرها وأطفأت بنفخة قوية شعلتها، وهذا الإيمان مبني على ان بني الإنسان ذوو " بنية مدخولة ضعيفة " وأن استحسان الحسن وتمكن الحب طبع في أصل


(١) الفصل ٥: ٧٤.
(٢) الباب: ٢٩ ص: ٢٧١.
(٣) الباب السابق ص: ٢٧٥.
(٤) الباب: ١١ ص: ١٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>