للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلقة (١) ، ولما كان كذلك لم يكن واقعاً تحت الأوامر الدينية، إنما الأمور الدينية تنص على المحرمات، وهذه ليست من بنية الخلقة وإنما يأتيها الإنسان باختياره " وبحسب المرء المسلم ان يعف عن محارم الله " (٢) . والسؤال الذي لا نظن ابن حزم يستطيع أن يجيب عنه هو: كيف يعف مع تلك البنية المدخولة الضعيفة، أو كان طبعه من السهل أن يستدرج في كلمة أو كلمتين، أو لم تحدث له بصيرة عاجلة تقاوم ثورة الشهوة لديه في حينها، أي لم يكن نبياً مثل يوسف الصديق! إن ابن حزم يحل هذه المشكلة ويأتي بالجواب على المستوى الذاتي حين يقول: يعلم الله - وكفى به عليماً - أني برئ الساحة سليم الأديم صحيح البشرة نقي الحجزة، وإني أقسم بالله أجل الأقسام أني ما حللت مئزري على فرج حرام قط، ولا يحاسبني ربي بكبيرة الزنا مذ عقلت إلى يومي هذا " (٣) ، ولكنه حين يقص كيف تورط الآخرون، يستعيذ بالله مما فعلوه، أو يورد الحكاية دون تعليق.

فليس بمستغرب إذ أن تجد فقيهاً مثل ابن قيم الجوزية يتعقب هذا التناقض لدى ابن حزم إذ يقول: وذهب أبو محمد ابن حزم إلى جواز العشق للأجنبية من غير ريبة، وأخطأ في ذلك ظاهراً، فإن ذريعة العشق أعظم من ذريعة النظر وإذا كان الشرع قد حرم النظر لما يؤدي إليه من المفاسد فكيف يجوز تعاطي عشق الرجل لمن لا يحل له " (٤) ثم وصف ابن حزم بأنه " انماع في باب العشق والنظر وسماع الملاهي المحرمة " (٥) وبين موقفي الرجلين بون واضح، سببه اختلاف المنطلق وزاوية النظر، ولا ريب في أن اقربهما إلى حقيقة الاجتماع


(١) الباب: ١٢ (طي السر ص: ١٤٥) .
(٢) الباب السابق نفسه ص: ١٤٤.
(٣) الباب: ٢٩ (قبح المعصية: ٢٧٢) .
(٤) روضة المحبين، ٨٨، ٨٩ وانظر أيضا: ١١٨.
(٥) روضة المحبين: ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>