للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو ما وضعه تحت مفهوم " اتصال النفوس " (مباشرة أو عبر الأجساد) ، وقد كان في كل ذلك أميناً للموضوع الرئيسي في الرسالة، عير أنه كثيراً ما يلجأ إلى انتزاع أمثلة لا علاقة لها بالعشق، وإنما هي تنتمي إلى ضروب الحب الأخرى، كالمودة بين الاصدقاء، وحب الماضي الذي يمثل الغي والجاه " وغن حنيني إلى كل عهد تقدم لي ليغصني بالطعام ويشرقني بالماء " (١) ، وما يألفه المرء من ملبوس ومطعوم ومركوب وهذا أدخل في عنوان الرسالة " في الألفة والألاف " ولكنه يبدو هامشياً إزاء الموضوع الرئيس فيها؛ ولعل ابن حزم اختاره ليقوي معنى سيطرة العلاقات العاطفية جملة على مواقف الفرد. ولكن من اللافت للنظر ان الكتاب خال تماماً من أية إشارة إلى حب الانثى للأنثى (٢) ، مع أن ابن حزم يتبجح في غير موطن بأنه وقف من أسرار النساء على ما لم يقف عليه أحد؛ فشهادة ابن حزم هنا على المجتمع الأندلسي تعد ناقصة.

وهي أيضاً شهادة محدودة، لأنها لا تصور المجتمع الأندلسي، ويجب أن لا تؤخذ كذلك؛ فإن اكثر الأحداث التي تستشهد بها إنما تتم - في الغالب - بين أناس من طبقة اجتماعية غنية، ومن هذه الطبقة أسر من موالي الأمويين - أي من سراة الناس وأصحاب المناصب العالية مثل بني حدير وبني عبدة وبني مغيث، ومنها رجال من البيت الحاكم أو من المقربين منه مثل ابن أبي عامر وعمار بن زياد مولى المؤيد هشام وعبيد الله بن يحيى الجزيري وبنت ابن برطال زوجة يحيى بن محمد بن الوزير يحيى، وعاتكة بنت قند صاحب الثغر الأعلى وزوجها أبو بكر ابن حزم (وأبوه وزير) ، وابن الطبني من أسرة مقربة إلى العامريين، ومنها أفراد من أسر الكتاب - وهي اسر ذات مقام اجتماعي بارز، وأحياناً كثيرة تتمتع بكثرة الأموال العريضة والخدم والحشم؛ ولا يفتأ ابن حزم


(١) الباب: ٦ (من لا يحب إلا مع المطاولة: ١٢٥) .
(٢) أشار الدكتور الطاهر مكي الى هذه المسألة في كتابه " دراسات.. " ص: ٣٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>