" قضية الحب " تقع تحت منظور جديد، وكذلك تكون المعاناة والعذاب والوجد بسببه أموراً تتطلب تفسيراً مقنعاً. وأول ظاهرة في هذا الحب أن أكثر الذين يعانون منه هم " الأبناء " في العائلات التي تملك الجواري، إذ يبدو بالإضافة إلى الجواري اللواتي كن في ملك الفتى ابن حزم - وهو لم ينفصل عن أهله بعد - أن القصر كان مليئاً بجوار أخر تتطلع أنظاره اليهن، وذلك يمكن أن يقال في فتيان آخرين من أبناء تلك الأسر، وكان ذهاب الجارية بالبيع، أو استئثار أخ دون أخيه الآخر بها، أو فراق أحدثته الحروب والأزمات، أو شؤون السفر، هي الأسباب التي رفعت درجة المعاناة إلى حد الخبل أحياناً، كما كان تعالي الفتى أو غفلته عما تحس به الجارية نحوه مسبباً في خروجها عن حد الحياء المنتظر في تصرفاتها. ولكن أشد الحالات التي تعز على التفسير هي معاناة الفتى بسبب تمنع جارية هي في ملك يده، وقد عبر ابن حزم عن هذه الظارهة حين قال:" فقد ترى الإنسان يكلف بامته التي يملك رقها ولا يحول حائل بينه وبين التعدي عليها. فكيف الانتصاف منها ". أي انه يكلف بها، ولا يستطيع أن يحولها عن تمنعها ويتعذب بذلك (كما حدث لسعيد بن منذر ابن سعيد) وترفض الجارية ان تتزوجه، وهذا موقف يدل على إرهاف في العلاقة بين الأسياد والجواري، مثلما يدل على ان شخصية الجارية لم تكن دائماً محط إذلال، وخاصة حين يكون الأمر متصلاً بالعواطف، نعم قد يبيعها سيدها، وتصبح ملكاً لغيره، ولكنها هي لا تمنح محبتها بل ولا جسدها بحكم الملكية. ويجب هنا أن نتذكر أن الجواري كن أيضاً متفاوتات في المنزلة الاجتماعية، فمنهن اللواتي يتخذن للخدمة ومنهن اللواتي يتخذن للذة والنسل، والفريق الثاني بطبيعة الحال أرفع منزلة من الأول، ولكن إن شاءت الجارية ان تتحول من الحالة الأولى إلى الثانية فهذا ربما كان يعتمد على جمالها وعلى ما قد تحاول إتقانه من فنون، فأما تحولها من الثانية إلى الأولى فأمر مستهجن في عرف المجتمع حينئذ، وقد ينالها