للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيطرة وقدرة على التصرف، وهي محفوفة بالخدم والحشم. وقد أحدث ذلك الحجاب الغليظ لدى النساء يقظة عاطفية على الأصوات المسموعة والصور المتخيلة، حتى ميزهن ابن حزم بالضعف في هذه الناحية، لسرعة إجابة طبائعهن إلى الهيام عن طريق التخيل (١) . ولكن الحجاب نفسه، ولأسباب أخرى في البنية الاجتماعية أصبح السفير بين العاشقين ذا دور هام، ولكن المرأة تتفوق على الرجل في هذه الناحية، خاصة إذا كانت عجوزاً، ولذلك كان أرباب الأسر بقرطبة يحذرون الفتيات الناشئات من النساء ذوات العكاكيز والتسابيح والثوبين الأحمرين (٢) .

وأكبر عامل يصنع الفرق بين الرجال والنساء ويمتد اثره إلى المناحي المختلفة في طبيعة كل منهما هو الفرق في العمل وأنواع النشاط، فالرجال مشغولو النفوس والعقول بجمع المال وصحبة السلطان وطلب العلم وحياطة العيال ومكابدة الأسفار والصيد وضروب الصناعات ومباشرة الحروب وملاقاة الفتن وتحمل المخاوف وعمارة الأرض (٣) ، ومثل هذه الأمور لا تترك للرجل مجالاً كبيراً أو وقتاً كثيراً للانسياق وراء العواطف؛ أما المرأة فهي متفرغة لا تعنيها هذه الشؤون العنيفة وربما لم تطقها، ولهذا يظل خيالها مشدوداً إلى شؤون الغزل وما يتعلق به، ومن ثم كانت النساء أكثر تعاطفاً مع المحبين وأكثر إسعافاً لهما، فهن يكتمن الاسرار، ويمقتن من تفشيها منهن، وأشدهن في الكتمان العجائز منهن، لان الفتيات ربما أدركتهن الغيرة فبحن بالسر، وهن يتلذذن بالتضحية في سبيل إسعاد محبين، بل أحب الأعمال إلى امرأة صالحة مسنة منقطعة الرجاء من الرجال ان تسعى في تزويج يتيمة أو تعير حليها أو ثيابها لعروس فقيرة (٤) ، ويبدو ان هذا النوع من النساء إنما ينتمي إلى طبقات ميسورة، إذ ليس كل النساء


(١) باب من احب بالوصف (رقم: ٤: ١١٧) .
(٢) باب السفير (رقم: ١١: ١٤١ - ١٤٢) .
(٣) باب المساعد من الاخوان (رقم: ١٧ ص: ١٦٥) .
(٤) الباب السابق نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>