للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متفرغات بشهادة ابن حزم نفسه، وإنما كان فيهن الطبيبة والحجامة والدلالة والماشطة والنائحة والمغنية والكاهنة والمعلمة والعاملة في الغزل والنسيج (١) ؛ ولكن من الواضح أيضاً أن هذه الفئة من المهن تختلف اختلافاً أصيلاً في أكثرها عن مهن الرجال، وهي في مجموعها مهن لخدمة النساء أنفسهن، محافظة على الحجاب الغليظ، كما أنها مداخل إلى ترسيخ الوساطة بين العشاق.

ومن السهل أن يقال بعد ذلك إن جمال المرأة - على مستوى التكوين الطبيعي والقدرة على التحمل - جمال هش لا يعمر طويلاً، وأنها إذا ابتذلت في الخدمة سارع جمالها إلى الزوال؛ أما حسن الرجل فإنه أثبت، وبرهان ذلك أنه يتعرض للهجير ولفح الرياح، فلا يذوي بسرعة (٢) .

فإذا تجاوزنا التكوين الطبيعي إلى رصد التصرفات المتصلة بالعواطف والشهوات وجدنا الجنسين سواء - في رأي ابن حزم - من حيث قدرتهما على قمع الشهوة أو الانقياد لها، فكل رجل تعرض له امرأة بالحب وتثابر على ذلك واقع ولابد في حبائل الشيطان، وكل امرأة دعاها رجل بمثل ذلك مستجيبة ما من ذلك بد (٣) . وكذلك هما في الصلاح سواء، والصالحة من النساء هي التي إذا ضبطت انضبطت، والصالح هو الذي يتجنب المغريات (لاحظ الفرق هنا بين من يحتاج إلى من يضبطه ومن يستطيع أن يستعمل إرادته في ضبط نفسه) فإذا أهملت المرأة وطمح الرجل ببصره لم يعد للصلاح وجود (٤) . وكل من المرأة والرجل يحب " الإعلان الذاتي " والتزين والتعريض ليكسب ود الآخر، فإذا شعرت المرأة بأن رجلاً يسمع حسها أو يراها " أحدثت حركة فاضلة كانت عنها


(١) الباب ١١ (باب السفير: ١٤٢) .
(٢) باب السلو (رقم: ٢٧: ١٤٢) .
(٣) باب قبح المعصية (رقم: ٢٩: ص ٢٦٩) .
(٤) الباب نفسه: ٢٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>