للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمعزل " وحورت في حركاتها وكلامها لتقع موقعاً من نفسه، وكذلك الرجل أيضاً، فأما إذا تراءيا فهما سواء في حب إظهار الزينة وترتيب المشي وإيقاع المزاح، إلا أن المرأة أقدر من الرجل على التحيل لاستجلاب الهوى وإيصال محبتها إلى قلبه (١) . كما أنها أنفذ بصراً في استشعار أدنى ميل نحوها (٢) . وإذا كان الرجل يقدم على الاغتصاب دون تفكير في العواقب، أو يقبل التديث حين تضمحل الغيرة، فإن المرأة عنيفة تقدم على القتل إذا أحست أن محبوبها مشترك الهوى، وليس في الطوق أية إشارة إلى رجل قتل امرأة لأنها خانته، وغاية ما حدث لأحدهم عندما خانته محبوبته انه وجد لذلك وجداً شديداً (٣) . فأما الموت وفاء للمحبوب، فيبدو أن الرجل والمرأة فيه سواء، وكذلك الخروج فيه إلى حد الاختلاط والجنون.

٩ - صورة ابن حزم في الطوق (ورسالة مداواة النفوس)

ولقد كان لصلة ابن حزم بالنساء منذ الطفولة حتى الصبا، عن طريق المعاشرة والثقافة، أثر كبير في ذوقه وشخصيته، ويبدو أنه لم ينعم بمعرفة الأم وتربيتها وحنانها، فاستعاض عن ذلك بالدلال الذي لقيه من الجواري، وأصبح يلاحقهن وينصت لأحاديثهن ويشره إلى معرفة أخبارهن وأسرارهن وحيلهن، وكن - فيما أقدر - لا يتحرجن لصغره من البوح بأشياء كثيرة جعلته يسيء الظن بتصرفات النساء، كما أكسبته تلك العشرة محبة الانفراد بالعطف، فنشأ شديد الغيرة، واكتسب من البيئة التي ساعد عليها ذوق والده (في محبة الشقراوات) ميلاً إلى الشقرة، ورسخ تلك الحقيقة أن حبه الأول اتجه إلى فتاة شقراء؛ وقد أرهفت تلك البيئة البيتية إحساسه بجمال الأنثى، وعلمته التجارب الأولى في تنقل


(١) الباب السابق: ٢٧١ - ٢٧٢.
(٢) باب السلو (رقم: ٢٧: ٢٥٠) .
(٣) باب الوفاء (رقم: ٢٢: ٢٠٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>