مطارق الدمار؛ وكانت " الحدة الرومنطيقية " تتعلق بالحب فأصبحت وجوداً في الماضي، وإنكاراً للحاضر (إلا من علاقات عملية عابرة) وأصبحت ألفة كل شيء تقدم هي التي تسيطر على الفكر والمشاعر: " وان حنيني إلى كل عهد تقدم لي ليغصني بالطعام ويشرقني بالماء وما انتفعت بعيش ولا فارقني الإطراق والانغلاق مذ ذقت طعم فراق الأحبة، وانه لشجى يعتادني وولوع هم ما ينفك يطرقني، ولقد نغص تذكري ما مضى كل شيء استأنفه، وإني لقتيل الهموم في عداد الأحياء، ودفين الأسى بين أهل الدنيا "(١) . ولقد أورثته هذه النكبات إحساناً مرهفاً بمعنى الفقد والفراق حتى أصبح يرى الموت أسهل من الفراق، وجعلته يستعيذ بالله من التنكر لما درس، أي لما أصبح جزاءاً من الماضي؛ وكم جلب تغير الحال من تنكر الاخوان والأصدقاء، مما زاد حساسيته تجاه الحفاظ على العهود الماضية، فأخذ في علاقاته يتكئ على التأني والتربص والمسالمة وخفض الجناح - رغم توقد حدته - كلما أحس أنه قد يفقده التعجل والغضب صديقاً من أصدقائه؛ ولهذا استشعر انه بالمقايسة إلى المتقلبين في صداقاتهم يتحلى بالوفاء، لا لمن يمثلون العهود الماضية وحسب، بل انبسط وفاؤه حتى شمل كل من مت إليه بلقية واحدة أو حادثه ساعة، وتورع عن إلحاق الأذى بمن كان بينه وبينه أقل ذمام ولو عظمت ذنوبه وإساءاته إليه. وقد كان هذا النوع من الوفاء مرمضاً لأنه يكلفه الحمل على نفسه، ومما يزيد في الألم الناشئ عنه اقترانه بعزة النفس، فالوفاء يتطلب تحمل الضيم من الصديق، وعزة النفس لا تقر على الضيم، ومن صراعهما يتولد قهر الذات وحملها على التصبر وتحمل الألم الممض، وكل هذا يحمل على اكتنان مقت شديد للغدر والكذب والتلون، وذلك أيضاً مبعث ألم آخر، وقد يسامح ابن حزم في كل عيب يجده في من حوله من معارفه وأصدقائه إلا في الكذب، فحينئذ يكون هو